الأحد، 28 يوليو 2013

أوراق أنثوية


* يتجاهلني !
وكأنني بت مخفية عن عينه فجأة فلا يطلب الحديث معي ولا يطلب رؤيتي بل ويتجاهلني إن طلبت منه أنا ذلك، ألا يعلم كم من ألمٍ عظيم يحف بقلبي الآن كحد سكين يتحرك كلما شعرت منه بالرفض.
كم من المرات التي ذهبت إليه إن فقط لمحت بين سطور حديثه شبه أمنية بأن يلقاني، أظن أن هذا هو خطئي فربما حكايات النساء المتداولة التي طالما سخرت منها هي ما تُجدي نفعًا حقًا .. كان عليَّ جعله يلهث قبل أن يرى بملامحي شبهة رضا.
التجاهل أمر لا يقدر على فعله سوى من يملك نزعة شريرة بشخصيته، مؤكد أن هذه هي حقيقتهم فما من شر أعظم من تجاهلك لشخصٍ يهتم بك !

* عدم الاهتمام !
يجب أن تحارب عدم الاهتمام بمثله، هكذا تعلمنا صغارًا ولكن ما إن كبرنا وتغلغل الحب بقلوبنا علمنا صعوبة تنفيذ ذلك، إن لم يكن استحالته .. فكيف لا تهتم بمن يسكن كل خلاياك، كيف؟
من أين لك أن تدير وجهك بالاتجاه الأخر حينما تلمحه قادم نحوك وأنت تعلم تمام العلم أن عيناك معلقة به حتى وإن أدرت رأسك فلا سبيل فسيولوجي يُتيح لك تنفيذ ذلك !
ربما يملك الرجال ما يُشبه زر عدم التشغيل يُتيح لهم التخلص من خاصية الجذب المغناطيسي الآلي تجاه من يحبون ولقول الحقيقة بعض الإناث أيضًا يتمكنَّ من ذلك ولكنها ربما بشكل أوضح لدى الرجال وليست القضية الآن فيمن يملكها ولكن القضية في استخدامها .. لما يفعلون ذلك في الأساس مع من يحبون !
وأظن أن هؤلاء هم غالبًا من يلهثون خلف من يتجاهلهم.

* الحزن !
الحزن يا سادة أن لا تدرون بفقدكم العظيم سوى بعد الاستيقاظ على الهوة الفائقة التي ظهرت فجأة بجانبكم الأيسر.
الحزن سيداتي هو محاولتكن للعب أدوار لم تكتب لكم بالأساس .. فليس كل سيناريو سبق له النجاح في مكان ما أن يحمل ختم ضمان النجاح معكم !
أدوار البطولة يخطها أصحابها ولا تكتب لهم .. وكما تختفي هيبة الذهاب للامتحان كلما تقدم بك العمر ستختفي هيبة الأدوار المُعدة مسبقًا وسيبهت ختم ضمانها وتعلقين بمكان لا يمت لكِ بصلة.

* خطأي
تعظيم كل مشكلة وكأنها نهاية العالم وبت أتحدث عن نهاية ما مع تمام علمي بأن خوفي فقط يكمن في عدم تمكني من الانتهاء منك أبدًا وهذا ما أخشاه أساسًا وهذا ما يجعل كل أمرٍ بسيط في مظهره عظيمٌ جدًا بالنسبة لي لخوفي الدائم من كلمة النهاية .. تعلم أني أشعر دائمًا بأنني من هؤلاء الذين يظنون أن النهايات السعيدة لم تُقدّر لمثلهم.
ويفوتني أحيانًا أن حبك أنت هو النهاية السعيدة لأعوام مضت بلا سعادة وأعوام آتية تملئها أنت. لا أنسى هذا ولا أتناساه ولكن خوفي من فقدك أعظم.


* بدون الحب
أخطائهم تكمن في عدم فهمهم طبيعة اختلافهم، نحن ندرى أننا مختلفون حد التشابه فكلٍ منا يكّمل الأخر بتشابهه واختلافه ولهذا سنبقى نحن وهم سيتباعدون ..

* بدون الاختلاف
بدون أن يرسم شخصية ويقول لي كوني
بدون خدوشي لن يعرفني
ولن يجد بي ما يميزني إن لم يميزني اختلافي فلن يحبني.
كل ما يتشابه لدى الأخريات يختلف لدى وهذا ما يجعلني بطلة فيلمه
فحتى بعد كلمة النهاية .. سأبقى.

* ولأجل حبك سأصلك ..
بالحب سنهتم بهم ولهم وبفناء الحب سنقطع كل خيوط اهتمامنا، بفناء الحب سيفنى جزء منك ويُترك بك جزء منهم فستصبح كمن لعب به القص واللصق وبات بك أجزاء لا تُشبهك ولكنها ستلائمك فربما لن تلحظها لبعض الوقت وحينما تحين لحظة انتباهك لها، أؤكد لك انهيارك ..

لأجل الحب سأصلك .. فبالحب وحده عزيزي تنمو بيننا طرقات وطرقات ونقترب ونتلاشى بأجزائنا فبوقتٍ ما لن تدري بدايتك من نهايتي.
وبالحب وحده صديقي ستتفرغ حياتنا من أي شيء لا يحمل اسمي واسمك فنحن الأحبة والأصدقاء.
وكل لحظات ما قبل النهاية سأعيدها عليك لتتذكر أن واقعنا نحن يختلف عن واقع الآخرين فنحن سنبقى بعد انتهاء فترة التجاهل وعدم الاهتمام والنهايات الدرامية فعند خلو القاعة تمامًا سنبقى نحن الوحيدون أبطال نفس القصة معًا بكل تأكيد لن يرى أيًا منا أحدٌ أخر يملئ فجوات القصة ..
نحن الاستثناء بعد نهايات الواقع لدى الآخرين .. نحن الأبطال التي تكتب أدوارها وتبقى معًا لأجل الحب ..
ولأننا نحن .. لأجل الحب سنصل.


سـاره عاشـور

الأربعاء، 24 يوليو 2013

انتقام سينمائي


انتقام سينمائي

يجلسان بصالة عرض الأفلام لحضور فيلم رومانسي، تمتلئ القاعة حولهم بوجوه عديدة ويبدو على الغالب أنهم ثنائيات جاءت لنفس السبب. تظلم القاعة ويرفع الستار عن الشاشة ويسود الصمت فتبدأ الاعلانات بالعرض على الشاشة، يميل عليها ليحدثها بأذنها بصوت خفيض أن تنتبه لهذا الفيلم فهو مصنف عالميًا ومرشح لجوائز وغير ذلك فبطلته تُشبهها في أشياء عديدة. التفتت له وابتسمت أو هذا ما لمح هو ورفعت اصبعها تجاه فمها لتُشير له بأن يصمت ثم وجهت رأسه تجاه الشاشة كي يتوقف عن التحديق بها ومحاولة إرباكها.
ما هي سوى دقائق وبدأ جميع الأصوات الهامسة في الظلام في الخفوت لأن موسيقى اعلان بداية الفيلم بدأت تصدح بالقاعة. ركزت بنظرها على الشاشة البيضاء أمامها وأهملت الانتباه لأي أحد حولها .. حتى هو أو بالذات هو ..
كان قد انقطع لفترة عن التواصل معها بأي طريقة كانت فلا اتصالات هاتفية ولا محادثات عبر الانترنت ولا مقابلات بالطبع. فقط تجاهل تام وكأنه قد سقط فجأة عن سطح الأرض.
لم تعتاد منه التجاهل وعدم الاهتمام فأشعل بها ذلك نيران عدة، التساؤلات أولًا ثم المحاولات المستميتة للبحث عنه ثم أخيرًا نيران لا يجب على أي رجل أبدًا أن يشعلها بأنثى تهتم به وتُحبه، نيران الانتقام. فهي لن تهدأ سوى بعد أن تنال انتقامها منه لأنها اهتمت وأخلصت وأحبت وهو فقط تجاهلها وكأنها لم تكن.
فقررت بعد أيام من اختفائه أن تنتقم لكرامتها منه هكذا ببساطة أتى القرار تمامًا كبساطة قراره بإلغائها من جدوله اليومي. وما كانت كثرة ازدحام جدوله بها. جلست وانتظرته فكانت تعلم بمنتى التأكد –كأنثى تُحب- أنه سيعود الغد أو بعد الغد أو بعد شهر سيعود فلا ملجأ آمن له سوى حضنها الدافئ.
انتبهت ليده تتسحب بالظلام لتحتضن يدها فأسرعت بالإمساك بهاتفها وكأنها حركة عفوية منها وبقيت عينيها مُركزة بشدة على شاشة العرض وكأنها لم تدر برغبته ولكنها لمحت انهزامه.
البطلة بالفعل تُشبهني قليلًا، اقتربت من أذنه وهمست له برقة فهي لا تُريده أن ينهزم كليًا أو أن يكتشف فتورها تجاهه الآن .. ليس بعد، لم تحن اللحظة.
بالأفلام الأجنبية يحتفلون بالنساء القويات فيما يتنصل منها العرب وكأنها تهمة تستحق الاخفاء أن تكون الأنثى ذات شخصية قوية قادرة على الاعتماد على نفسها !
وهي كانت قبلًا تتنصل من قوتها وتدعى الضعف لتُرضي الشرقيين حولها فما باتت تحتفظ بأي علاقات لأكثر من بضعة شهور فلا صديق أو حبيب يقبل بها كأنثى في موقع الند معه ولكنه اختلف عنهم فكان يحتفل بقوتها ويقويها ويساعدها على اظهار ذلك وعدم الخجل منه. وكانت من أكثر الأشياء التي تعجبه بها وهي علمت أنها أيضًا أكثر الأشياء التي ستقضي عليه فمن يفتح صندوق باندورا عليه تقبل عواقب فعلته.
هو من قال لها مرة أنها كصندوق باندورا فقوتها تحوي أشياء سيئة وهي تلجأ للسيئ دومًا للدفاع عن نفسها ولكنه حذرها بأن ذلك سيقضي على الطيب بها شيئًا فشيئًا. فقال لها أنت كصندوق باندورا الخاص بي ولذلك أخشي على كلانا فقدان الأمل بعد تمام فتحه.
انتبهت لأضواء القاعة تضاء فقد انتهى النصف الأول من الفيلم، تاهت مع ذكرياتهما ولم تُرتب بعد الختام لمشهدهما معًا. نظرت له فوجدته يتأمل ملامحها وهو مبتسم فابتسمت له وسألته: ما بك؟
فقال: تكونين جميلة وأنت توجهين كل تركيزك بأمر ما، ملامحك تصبح جادة.
وبدأ في تحريك وجهه لمحاولة تقليدها وإضحاكها بنفس الوقت فقد بدأ القلق يسري بدمه تجاه ما تدبره، فهي هادئة أكثر من المعتاد وشاردة ويبدو على ملامحها أن هناك أمر ما قد حدث أو سوف يحدث، لا أدري قالها بصوت عالٍ.
فقالت له لا تدري ماذا؟
فارتبك قليلًا وقال: لا شيء هل سنخرج أم سنبقى جالسين؟
فقالت له: لنبقى هنا.
سألها عن رأيها بالفيلم، فقالت له ما كانت تفكر به عن أنه كان محق فالبطلة تُشبهها قليلًا بالفعل فابتسم كالمنتصر فاستطردت ولكن أخشى أن لهذا الفيلم نهاية سعيدة ككل الأفلام.
فاستغرب كلامها وقال: لا أعلم نهايته ولكن ما الخشية في ذلك أليست النهايات السعيدة شيئًا جميلًا؟
فقالت: يقولون أن ما يحدث بالأفلام من نهايات سعيدة هي فقط قصص لم تكتمل فالواقع دائمًا أقبح ..
وفي هذا شبه حقيقة، تمنيت لو أتمكن من عمل مونتاج لحياتي بنفسي. أتخيل حياتي كفيلم وعليَّ المونتاج لتخرج بالشكل المناسب اللائق بقصتنا بالطبع قبل بدأ انحدارها بالواقع، فتظل كما يتخيلها من حولنا القصة الجميلة ذات الضحكات الرائقة والألوان المبهجة والمشاهد التي تجعلك تتمنى مثلها والحب الذي برؤيته تُعيد حساباتك حول الشخص الجالس بجانبك الآن يُشاهد معك هذه الرومانسية وتتخيله بفيلمك أنت ولكن عليك معرفة أنك في كل مرة تفعل فيها ذلك، في كل مرة تتخيل  فيلم حياتك وتطرد منه من ترى أنه غير لائق بدور البطولة أمامك أنك غفلت عن حقيقة هامة وهي رؤيتك لما بعد كلمة النهاية وانطفاء الشاشة أمامك فكما أفعل الآن بوضع الكلمة في الموضع المناسب لتحسدني على نهايتي السعيدة وأخفي عنك الجزء الواقعي من المشكلات اليومية التي نحياها جميعًا فأنت بالفعل وبلا شك ترتكب أكبر أخطاء البشرية !
ولا تحزن كثيرًا فهذا يتم بشكل دوري في كل صالات العرض حول العالم ..
نظرت له فكان وكأنها قد صفعته على وجهه مراتٍ عدة فبُهت، فقررت أن تلحق بدمائه قبل أن تهرب، فقالت له: هذا مجرد تفكير جال بخاطري ليس ما أريد في الحقيقة أو ليس ما سأفعله معنا أعني. فهز رأسه محاولًا أن يبدو مُقتنعًا فقررت هنا أنها اللحظة المناسبة لإنهاء هذه التمثيلية التعيسة فقالت له لنخرج ونتنفس بعض الهواء.
قال لها أن الجزء الثاني من الفيلم على وشك أن يبدأ. فقالت: أعلم ذلك ولكن هيا بنا لا أريد مشاهدة نهاية أخرى سعيدة على أية حال.
فقام منهزمًا يجر أذيال خيبته ورائهما وهو يدري تمامًا كما تدري الذبيحة بأنه قد آن أوانها الآن، حاول أن يرتب بضع ردود أو مبررات لما فعله ولكن عقله كان كذاكرة الكمبيوتر عندما يُصيبها فيروس مُعطلة ولن تُلبي لك ما تُريد لا بالسرعة المطلوبة ولا بالشكل المُراد.
جلست وجلس أمامها، حاول أن ينطق ويقول لها أنه يهتم بالفعل لأجلها فهنا وأمام الشاشة الكبيرة كان سُيقدم لها عرضه الكبير ويطلب منها أن تتزوجه ولكن متى يجد فمك الكلمات حين تُريده !
كانت تُرتب ذهنها بالداخل وتُرتب ملابسها بالخارج وهو يُراقبها تارة ويلعب بالكوب الذي أمامه ويشرد به تارة أخري. ثم عندما قرر أن يبدأ الحديث وجدها تركت كل ما بيدها وكأنها قد استعدت كاملًا الآن فقالت له بكل ثقة: ما بيننا انتهى منذ اللحظة التي قررت فيها أنك لن تحتاجني بأيامك.
هَمَّ أن ينفي ذلك ولكنها لوحت له بألا يتحدث وقالت: اليوم أنت تستمع فقط فأنا سأنهى ما لدي وأذهب وسيكون هذا أخر لقاء وأخر ما بيننا.
فقال لها: لا يمكننا فعل ذلك وأنتِ تدرين.
فردت: تدربنا بفضلك جيدًا فلا تخف.
تفاجئ من طريقتها معه وصمت فاستتبعت ضرباتها:
انتهينا عزيزي قلت لك، قررت مع نفسك في لحظة أن تسقط عن وجه الأرض ولا تهتم بي إذن فلتبقى هناك خارج نطاق الخدمة وخارج نطاق اهتمامي. كنت بالفعل أظن كما تقول أني لن أقدر على التنفس من بعدك ولكن ها أنا أمامك فلم ينقصني شيء، ربما بضع رتق هنا وهناك وسأعود كما كنت من دونك. سأذهب عنك الآن وستبقى هنا ولن تتبعني ولن تعاود الاتصال بي أو طلب مقابلتي بأي شكل كان وعند هذا الحد سيُقطع عنق حبنا فينزف وننتهي.
لم يرد عليها فهو داخله كان يعلم أنه من أتى بهذا على نفسه أو كما يقولون "جنت على نفسها مراكش" لم يتخيلها بهذه القسوة ولكن هكذا صندوق باندورا يفاجئك دومًا.
أمسكت بحقيبتها وألقت نظرة سريعة على أشلائه أمامها ثم وقفت وقالت له: من يبدأ شيء عليه انهاؤه وأنت لم تملك الشجاعة الكافية لذا أنهيته عن كلانا فأنا لا أملك أنصاف مثلك، فلا نصف قلب ولا نصف حب ولا نصف اهتمام، معي إما الكل أو لا شيء وأنت اخترت.
ثم رحلت ..
جلس يتابعها ولم يتحرك ثم عندما وجدها خرجت تمامًا من المكان وغاب طيفها عنه أخرج هاتفه وجلس يكتب لها رسالة فيبعثها لها ويغلق هاتفه للأبد فهي من طلبت منه الانتهاء، فكتب:
عزيزتي
انتهينا كما قلتي قبل قليل لذا قبل الانتهاء كان يجب عليكِ استكمال خيط اهتمام واحد بيننا وسؤالي عما دفعني للابتعاد هذه الفترة ولكن بلا إطالة كانت فقط بضع مشاكل بالعمل لأني كنت أرتب أحوالي كي أطلب منك الزواج فتُتمم قصتنا بالنجاح ونبدأ فيلمنا الرومانسي الجميل ولكنك تسرعتِ قليلًا أو لنقل كثيرًا واخترتِ ابعادي بمقص المونتاج عن باقي مشاهد حياتك وإخراجي من الفيلم بالكامل لذا أتمنى لك السعادة مع من ستختارين لدور البطولة أمامك ولكن قلب ذلك فضلًا عليكِ إغلاق صندوق باندورا وإحكام إغلاقه ثم إبقائه هكذا حتى يبقى معكِ قلة من الأمل في رجل حياتك المقبل ولا تثورين عليه بغيرتك وغضبك المعظم ذاك.
عزيزتي .. سأحبكِ ولن أنتهي من ذلك ولكن ما بيننا انتهى بالفعل.


ساره عاشور

الأحد، 14 يوليو 2013

حضن



"لكل انسان تقريبًا لعنة تطارده يعتقد بداخله أو يدرب نفسه على الاعتقاد أنها شيء جيد ولكنها في الحقيقة تضره كثيرًا كلما ظهرت، مثلًا كالطيبة الزائدة أو الحنان الزائد أو الصبر وأنا لعنتي الصبر ..
اصبر كثيرًا وانتظر ..
بستنى حاجات أنا عارفة كويس أنها مش جاية مع أنه المفروض أنها حاجات عادية وعادي تيجي زي مثلًا لما تقعد على محطة القطر تستناه وأنت عارف أنه له ميعاد يجي فيه بس عشان أنت بلعنتك مستنيه مابيجيش وأوقات بزيادة لحمل الضيق جواك بتحس بالذنب ناحية كل اللي كانوا مستنيين القطر معاك لأنك بتحس أنك أنت السبب .. حمل تقيل مش كده؟"

كانت تحكي وهي تنظر لفنجان القهوة أمامها ولا تشرب منها، الطلب الرابع تقريبًا من القهوة التي تطلبها لتجلس تنظر لها وتلاعب الفنجان بأصابعها ولا تشربها ثم تعيد طلبها عندما تلاحظ برودتها.
لم أتفاجئ باتصالها فكل مرة أرى رقمها يضيء شاشة هاتفي كنت أعلم أنها بمشكلة وأنه تريد استعارة أذني وربما كتفي وصدري فهذا ما اعتدت عليه منها .. كما تحدثت لكل منا لعنته وأنا لعنتي هي ..

"عارف لما تبقى لعنتك أنك تستنى لأنك صبور حبتين؟"

بدأت ألاحظ شدة أعصابها من حركات يديها في الهواء وفكرت أن أحتضنهما بين يداي لدقائق أو ساعات حسبما يسمح الوقت كي أبث بها بضع طمأنينة ..

"أنا بستنى وأنا عارفة أن صبري ممكن ينتهي ويمكن بقيت بستنى بس عشان أخلص صبري ماهو أكيد له أخر زي أي حاجة في الدنيا وأنا عاوزة أجيب أخره .. ازاي استنى ترقية تجيلي وأنا عارفة أنها هتروح لحد تاني لمجرد أنها كانت جاية ليا أنا فأكيد مش هتوصل .. تفتكر ممكن يكون لعنتي هي الحظ الوحش مش الصبر زي منا مفكرة؟"

هنا ارتفعت عيناها عن الفنجان وهدأت حركة يداها ثم تعلقت كل أعصاب وجهها بانتظار ما سيخرج من فمي .. مجرد تعلق عيناها بوجهي هكذا سيربك الكلمات ولكن أنا هنا كي أطمئنها، وظيفتي بحياتها هو طمأنتها قبل أن تصل لمرحلة الانهيار كطوق النجاة الذي تلقي به لأي غريق كي لا يبتلعه البحر.
أنا طوق نجاتها لأعوام وأؤدي مهمتي بنجاح في كل مرة فلا يوجد أحد يملك التحكم بهذا الجانب منها سواي، ربما لعنة الانتظار هي لعنتي أنا !
قولت لتلك المعلقة بكافة حواسها بما سأنطق به أنها يجب أن تنظر لكل الجوانب الايجابية وأن تتوقف عن التعلق بكل ما هو سلبي وإلا ستقضي عليها تلك السلبية العصبية.
نظرت نحوي بعدم اقتناع وعادت تنظر للفنجان ولكن بأعصاب اهدأ، أستطيع أن أبوح لها هنا بكل ما بداخلي. ألقيه أمامها دفعة واحدة كما تفعل هي في كل مرة تلتقي بي وتلقى على أكتافي كل ما يعتمل بداخلها.
أبوح ولكن ربما لا تقبلني وتنتهي علاقتنا هنا ! من إذن سيتمكن من تهدئة روعها في المرة المقبلة التي تكون فيها على شفا اكتئاب، من سيملك مفتاح جذبها لتبتعد عن ذلك الشبح الكئيب الذي يحوم حولها كثيرًا بكل تلك الطاقة السلبية !
وربما أيضًا يكون الحل في ابعاد ذلك الشبح نهائيًا هو اقترابي أنا نهائيًا !

"أنت عارف أن كل مرة بقعد فيها معاك بحس أنك بتعملي حاجة زي السحر كده، أنا بجيلك وكل هم الدنيا في وشي وبعدين أقعد معاك شوية وممكن تقولي كلام سمعته من قبل ما أشوفك على طول من ناس تانية لكن منك أنت دايمًا بيبقى مختلف، تعرف أنك فعلًا وتقريبًا أهم شخص في حياتي؟ زي ما يكون واحنا سوا مفيش لعنات أو واحنا سوا بنحل اللعنات دي، أن انتظاري هينتهي بحاجة كويسة مرة فيبقى بعد كده كل انتظار أخره كويس. أصل أوقات بتبقى الحاجات دي كده زي الخيط اللي تشده فيكر وراه كل اخواته."

لم يدر هل كلماتها تعني ما كان يفكر فيه فعلًا، هل أعطته للتو الضوء الأخضر كي يتقدم وينهي لعنته ولعنتها بحضنٍ واحد؟
أم هي مجرد فضفضة أخرى منها لا تعني شيئًا سوا إزالة هذه الأفكار والكلمات عن كاهلها.

"مش عارفة أنا بستناك بجد ولا أنا بستنى مني أنا خطوة واضحة ناحيتك !"

أذهلته هذه الجملة فعقد لسانه وجلس ينظر لوجهها ويتأمل لغة جسدها ليتأكد أنها تعني ما تقول حقًا وليست في حالة سُكرة الكلام التي تنتابها فكم من مرة تعلقت آماله بمجرد ازاحتها لبضع كلمات عن خاطرها.

صمتا لدقائق ثم عادت لتكمل.

"أنا عارفة أن كل واحد بيبقى محتاج لحد في حياته يتسند عليه ويبقى له الأمان والحضن اللي بيجري له والحقيقة أني مهما حاولت أداري ده أو أنكره مفيش في حياتي أي شخص بيمثل الأمان غيرك"

وارتبكت يداها وتلعثم قلبه.

"في كل مرة بشوفك وأفضفض معاك بيبقى دايمًا أخر حاجة عاوزة أعملها أني اترمي في حضنك بس دايمًا برجع عن الفكرة دي أو بلغي الاحساس ده من أساسه لأني معنديش أي فكرة واضحة عن مشاعري ناحيتك وأنت عارف أنا مقدرش أخد خطوة وأنا مش متأكدة من الخطوة اللي جاية بعدها."

حاول أن يُحدثها بكل ما كان يفكر فيه وفي ضرورة أن تسكن بين ذراعيه الآن ولكنه نسي الكلمات وظل فقط يحفر ملامحها في هذه اللحظة في عقله وذكرياته فهي لحظة يجب أن تُخلد.

"أنت عارف الحضن مهم قد ايه؟ عارف يعني ايه يبقى قلوبنا بتسمع بعض الدقة بالدقة ونفسنا بيحاول يكون الداخل والخارج في وقت واحد وكأنه اكسير الحياة اللي لو متظبطش على بعضه هتموت؟
فتحت الايد نفسها وأن الأمان معروض في الحضن ده وأنت يا يتلاقيه وليفك يا تلاقي نفسك بتاخد حضن غيرك فتحس على طول بعدم راحة زي ما تحاول تدخل مثلث جوة دايرة في لعب الأطفال كده، عارف لعب الأطفال دي؟ أهو الحضن بقى بيبقى الدايرة جوة الدايرة والمثلث جوة المثلث وأنا عارف أن أنا وأنت دواير بس أنا بكابر.
أو يمكن خوف لو لعنتي ماتحلتش بوجودي معاك هنقعد نستنى جنب بعض حاجة وحياة مش هتيجي !
وأنا ليه أعطل حياتك جنبي ! ما الدواير ممكن يبقى فيه منها نسخ تانية، هي أه نسخة بس ما يمكن أكون أنا نسخة أصلًا من أنا الأصل اللي هو بتاعك. عارف التفكير متعب ازاي، بقالي كتير كنت عاوزة ..... "

قاطعها هنا عن استكمال حديثها وجذبها نحو صدره ولف ذراعيه حولها وصمتا سويًا كي يسمحا لأنفاسهما بأن تضبط الايقاعات سويًا.