الجمعة، 29 يونيو 2012

سفر



في وسط القصاصات القديمة بالمكتب رأت الورقة التي كانت منه ذات يوم.
أراد أن يُعبر لها عن حبه وصدقه فكتب لها
"سلمى .. أعلم أنكِ لا تعتبريني أكثر من صديق ولكني أحمل لكِ في قلبي أكثر من ذلك. فهل من فرصة؟"
تنهدت وسرحت في مروان والعينين العسليتين والشعر الأسود والإبتسامة التي يُمكنها أن تُذيب حجر والغمازاتان وابتسمت عندما تذكرت ما كانت تقوله له على غمازاته "لا تسمح لإحداهن أن تُغازلهم غيري .. لا تسمح أبداً !"
هزت رأسها كأنها تحاول التخلص من الذكريات وعبثت ببضع أوراق أخرى ثم ذهبت لتشرب شاي. وضعت الماء على النار ثم ما لبثت أن سرحت في وقت أن قال لها "كم أحبكِ وأنتِ تُقبلين الفنجان على مهل قبل أخذ رشفة من شايك وكأنك تعتذري عن أخذ ما به"
ابتسمت مجدداً ثم قطع عليها صوت غليان الماء الذكريات. صبت الشاي ورجعت للمكتب. كان الوقت شتاء فتأكدت من إغلاق النافذة والبلكون حتى لا يتسرب الهواء البارد للداخل.. الذكريات تُحب الدفيء.
كانت تحاول ترتيب مكتبه وما به من أوراق وعلى ما يبدو ترتيب أفكارها وذكرياتها معه. لم تحاول أن تدخل هذه الغرفة من فترة منذ أن سافر مروان.
"قلت لك ألا تتأخر في الإتصال بي مرة أخرى" فكرت فيها وهي تُرتب الأوراق ما قالته له في أخر مكالمة. "لما لا يفعل الرجال ما نطلبه منهم !" عادت لشايها وأوراقها.
كم كان وسيماً وهو يقول لي "أحبك كم لم يُحبكِ أحدٌ من قبل" كدت أضحك على ثقته الزائدة وما أدراه من أحبني وقدر حُبه !
ولكن في نفس الوقت أُعجبت بثقته بنفسه وبحبه لي.
لم تكن تدري بأنها ستقع في حُبه هكذا .. لم تعلم حدود قدرتها على الحب إلا معه، لم تتوقع أن تكون لها هذه القدرة على العطاء. تُحبه وكأنه أخر الرجال على الأرض بل هو أخر رجالها هي على الأرض.

يوم سفره كانت معه بالمطار بعينين دامعتين وقلبٌ يكاد يذهب معه على الطائرة، ذكرته بكل ما عليه فعله في غربته بعيداً عنها، "لا تنظر لغيري بل لا تقع بغيري .. تذكر لا تسمح لإحداهن أن تُغازل غمازاتيك .. غيري" ابتسم وطمأنها "قلبي سيظل معكِ هنا ياسلمى لا مجال لغيرك به" حاولت أن تبتسم وسط دموعها ..
انتبهت للشاي الذي كاد أن يبرُد، حين وضعت شفتاها على حافة الفنجان ابتسمت عندما تذكرت كلماته عن أنها تُقبل الفنجان. أنهت الشاي وعادت تتفقد الهاتف. "يَهُوونَ تعذيبنا" ورجعت لأوراقها.
وجدته ترك لها رسالة بين الأوراق قبل أن يُسافر، نظرت فيها متفاجأة وندمت أنها لم تأتي هنا مبكراً. جلست في الكرسي متلهفة لقرائتها ثم قالت لنفسها "حروفه يجب أن تُقرأ بهدوء" فهدأت من لهفتها وإعتدلت في الكرسي وفتحت الورقة ببطء وابتسامة هادئة تعلو وجهها وعينيها تتلهف لإلتهام حروفه لها: 
"حبيبتي سلمى ..
عندما تقرأين هذه الرسالة سأكون قد سافرت، لم أُريد أن أسافر أبداً .. لا أحتمل أن أبتعد عنك. كيف أصحو ولا أنظر إلى وجهك الرقيق في الصباح .. كيف لا أبدأ يومي بقبلة منكِ وصباح الخير حبيبي بصوتك الملائكي هه أعلم أنكِ لا تري في نفسكِ أي ملائكية ولكنكِ ملاكي أنا. أكتبُ لكِ وأنتِ الآن في المطبخ تقومين بتحضير الغداء لذا لن تكون رسالتي طويلة ..
كنتُ أريد أن أكتب لكِ ما يُكفيكِ في غيابي ولكن أعلم أنه لا شيء سيُكفي غيابي عنكِ .. "
سرحت عن الرسالة قليلاً "أي يوم كان هذا؟ مروان يقضي أوقات كثيرة هنا .. كم أحب مفاجأته الصغيرة"
" أنتِ ياسلمى كُل ما أحب في هذا الكون وسفري هذا ما هو إلا لكِ .. لنا .. لحياتنا معاً. اعترضتي عليه كثيراً وكنت أقدر كُل اعتراضاتكِ لكني رجل هذا المنزل يجب أن أوفر لنا مستوى جيد في الأيام القادمة، يجب أن يكون لأطفالنا فرص أكثر. المهم أن هذا كان مهم لمستقبلنا .. سفري كان لحبي لكِ ولأطفالنا الذين لم يأتوا بعد .. سلمى أحبك وأحب حياتي معكِ وأحب كل ما بكِ، كل ما هو لكِ، وكل ما هو منكِ .. تعلمي كل ذلك أعرف ولكن ما من مانع حتى تسمعيه مرة وأخرى وأخرى لذا، أحبكِ ياروح القلب. لن تنتظريني كثيراً أوعدكِ .."
طوت الورقة ومسحت الدمعة التي نزلت من عينها ونست كل ما كانت تُفكر به عن إن الرجال لا يفعلون ما يُطلب منهم .. وفقط جلست تنتظر مكالمته لتقول له عن مدى إشتياقها لوجوده حولها في المنزل .. عن مدى عشقها له وحبها لحياتها معه ولتحكي له عن كل ما تذكرته وهي تُرتب المكتب وعن الأمان الغائب معه وصوته الذي تشتاق لسماعه في الصباح والمساء وكلامه وهمساته .. وهو .. تشتاقه هو بكل ما فيه.
انتظرته ..


ساره عاشور

هناك 5 تعليقات:

  1. جميييييييييييلة جداا ياسارة
    أعجبتني بحق رائعة
    تحياتي
    ميمي

    ردحذف
  2. استمتعت بقراءة القصة ..

    وسعيدة بوصولي هنا لمدونتك .. وان شاء الله من المتابعين لكل جديد ..

    تقبلي مروري وخالص تحياتي

    بالتوفيق دائما وابدا

    ردحذف
  3. ما أجمل حياة رجل..يطمأن على نفسه وعلى بيته وعلى حبه وقلبه حتى وان غاب جسده...خالص دعائى

    ردحذف
  4. تفاصيل حلوة

    ردحذف