السبت، 28 يوليو 2012

غياب


ذهب للكافيه الذي كانا يجلسان به دوماً لعله يتعثر بها.
جلس وحيداً .. طلب قهوته المعتادة وجاءت وحيدة ..
جلس يُحدق بها ثم يتلفت حوله ينظر لكل الجالسين حوله .. لم يجدها.
نظر مرة أخرى للفنجان أمامه واستحضر خيالها ولقائتهما المتكررة هنا وكاد أن يُحدثها ثم تذكر أنه وحده .. فصمت ..
لم يقبل أن يخونها هنا ويشرب قهوته دونها، أخرج محفظته ووضع المال بجانب الفنجان ورحل.

عاد لمنزله، لغرفته، لعزلته.
تمنى لو يرى حالها الآن، كيف هي؟
أغمض عينه وتخيلها ..
هاهي تجلس بغرفتها،
- ياه تبدو ملكية.
- يبدو على وجهها حزن عميق، حتماً تشتاقني.
تتحرك في الغرفة ببطء، تمسك هاتفها تقرأ رسائله القديمة ثم تبكي.
- آه حتى دموعها تبدو من عالم أخر.
 فتح عينه وهز رأسه ..
- مازلت غبي وأتوقع أن عالمها سيقف من دوني.

أغمض عينه مرة أخرى ..

- هاأنا في غرفتها مرة أخرى.
رأها تمشي في الغرفة وهي تتحدث في هاتفها كانت تؤكد على موعد.
-أكيد هذا رجلها الجديد.
ثم ذهبت لتختار ملابسها.
- رقيقة هي في كل ما تفعل.
ثم ذهبت تأخذ حمام دافيء.
- حياتها لا تقف على أمثالك.
ثم لبست ملابسها ووقفت أمام المرآة تضع مكياجها وتُعدّل في شعرها خصلة يمين وخصلة يسار.
- كم أشتاق لخصلاتها المنسدلة ورائحة الياسمين التي تُشع منها.
وحاول أن يشُمها فاقترب منها ومد رأسه للأمام فوقع من على كرسيه .. فتح عينه وخبط بيده على رأسه.
- قلت لك، غبي.

قام ليتمشى قليلاً في الشقة .. يحاول أن يُوقع في كل خطوة جزء منها عالق به .. وفشل.

ذهب للمطبخ، وقف على الباب ونظر في كل أركانه كأنه يحاول أن يتذكر أين هو ولماذا هو هنا وليس معها؟
ثم وقعت عيناه على الثلاجة فذهب وفتح بابها ووقف يحدق بما بداخلها ثم أغلقها وراح يبحث عن القهوة، كانت أهدت له نوع غالٍ من البن لم يفتحه قط .. كان يكتفي بأن يذهب كلما اشتاقها لينظر للعلبة ويتلمسها كأنه يبحث عن لمسة أصابعها عليها ثم يقبلها ويذهب.

قرر أن يفتحها، هي خطوة الآن ليتحرر منها.

تردد قليلاً .. تلمسها من كل اتجاه ليقتنع بأن أصابعها ما عادت أثارها هنا.

أخذ فنجان قهوته الجديدة وعاد لغرفته. اطفأ الأنوار وأغلق الستائر وجلس يشربها في الظلام.
وينظر إلى السواد حوله هذا هو ما يُمثل حياته الآن .. سواد يُغلفها ..
ينظر إلى اللاشيء .. هذا هو حاله دونها.

انتهى من الفنجان ثم بحركة لاإرادية قام بقلب الفنجان على طبقه وعندما تنبه لما فعله ضحك ثم تعصب وألقى بالفنجان في الهواء وسمع صوت تكسّره.

كانت تلهو معه ذات مرة فقالت له سأقرأ لك فنجانك .. وأخذته ونظرت فيه بتمعن وهي تُقطب حاجبيها دليل على تركيزها الشديد وهو ينظر لها ويضحك ثم رفعت عينيها عن الفنجان ونظرت له وابتسمت ثم قالت في جدية: لا شيء يقلق هنا، ستعيش.
وضحكوا.

لم يتحرك من مكانه لينظف مكان الفنجان المكسور.
- الآن هو مكسورٌ مثلي.

رجع برأسه للوراء وأغمض عينه كان سيسرح فيها مرة أخرى ففتح عينه وأنّب نفسه للمرة المليون: أنت غبي. لا تتعلق برائحتها ولا بأغانيها ولا بقهوتها ولا بخصلات شعرها الحريرية ولا حياتها الملكية ولا بكل ما فعلته بك .. لا تتعلق بها ولا تُعلق حياتك عليها .. لا تشغل نفسك بما تفعله ولا تُقنع نفسك بانتظارها إياك .. فقط توقف ولا تفعل.

ثم أضاءت شاشة هاتفه ذهب ليُلقي نظرة وجد إسمها ..
وضع يده على صدره ليلحق بقلبه قبل أن يقفز، كان به تلك الدقة الزائدة التي تليق بحبه لها.
تجمد أمام الهاتف وأصابعه تتردد بين الأخضر ثم الأحمر ثم الأخضر وعندما قرر أخيراً على أيهما سيضغط ..

انطفأت فجأة الشاشة. وانطفأ معها.


ساره عاشور

هناك تعليقان (2):

  1. كانت تفكر به مثلما كان يفعل.. كانت في صراع انتهى بأن تجرى محاولة أخيرة.. وأضاع هو الفرصة كما أضاعها هي نفسها قبلا بسبب تردده

    جمييييييييييل أوي يا سارة
    أسلوب سردك هنا باستعمال العبارات بين علامتي التنصيص عجبني أوووووووي

    بالتوفيق دايما

    ردحذف
  2. من اللحظات الغريبه التى يشعر بها عندما يتذكرها او يحاول ان يتخيلها
    ما هذا الهراء الغريب الذى افكر انه ربما يحدث
    الصراع الداخلى الذى اسمعه فى داخلى ينادى عليها ويتخيل انها معه ويتحدث معها هى غايته ان يتحدث معها فقط.... يتشوق لها ....يسمع

    ضحكاتها فتهون الدنيا ومشاكلها وصراع البشر عليها
    اتعلمين اعرف انها لا تفكر حتى فى انى موجود من الاساس :(

    ردحذف