الأحد، 2 ديسمبر 2012

زيف (جزء أول)


هي طبيعة محفورة في الانسان أن يبحث عن كيان ينتمي له، يتمثل في دولة أو قبيلة أو حتى فريق كرة قدم والأكثر هو البحث اليومي عن انتمائك لشخصٍ ما، النصف الذي يُكمّل ما تحمله أنت من حسنات وعيوب ليوافقك كما توافق قطع البازل بعضها فتصبح الصورة أمامك عن الحياة ثم المستقبل أوضح بشكلٍ ما. شخص يمنحك السكينة التامة لتقف بكل ثبات أمام العالم أجمع لتُعلن اكتمالك به.

هذه الأفكار هي معتقدات ثابتة لدى الكثير من البشر باختلاف ثقافاتهم وأشكالهم ويبقى هناك هؤلاء الذين يتلاعبون بمن يملك مثل هذه الأفكار فقط لأنهم لا يملكون المقدرة على الثبات !

وقد كانت واحدة من هؤلاء المتلاعبون .. وكم كانت بارعة في تلاعبها   .


كانت تحاول زحزحة شعورها بالذنب جانبًا متحججة بأنهم ما كانوا ليكونوا بهذه السهولة إن لم تكن معتقداتهم أقوى من هراء النصف الذي يُكملك. تضحك. ما كنت لأكون أنا بهذا التمكن إن لم تكن هذه الأفكار لا تزال متداولة "يا لهم من أغبياء" فكرت وهي تتنهد ثم تعود لتضحك وتضع أحمر الشفاه وترتب خصلات شعرها ثم تقف لتنظر لنفسها بالمرآة، فخ متحرك جاذب كما تجذب النار الفراشات لخلاصها وكمن أضاء عقله بفكرة عبقرية جديدة .. أه أنا بالفعل أخلصهم من عناء البحث عن أخر. تعود لصورتها تلمح صورة أحدهم تبدأ باللمعة في عينيها فتغمضهما سريعًا ثم تفتحهم لتضع لمسات الكحل الأسود على عينيها، كحل أسود يُعطيني الطابع الشرقي الذي يقعون لمثله.

تقف لتتأمل نفسها بإعجاب ثم بطرف عينها تلمح الأوراق على منضدة خلفها، الرسائل التي كان يبعث بها إليها فتزفر بعصبية ثم تعود بنظرها لانعكاسها الذي أفل أمامها .. أغمضت عينيها وهي تردد: الكحل الذي أضعه غير مقاوم للماء ! توقفي .. توقفي ..

تنفست بثقل وحاولت أن تتمالك نفسها ولا تبكي، مضى وقتًا طويلًا جدًا منذ أخر مرة بكت فيها أصبحت الدموع هذه من الذكريات البعيدة مثلما تجلس أنت وتُريح ظهرك وتُغمض عينك لتحاول أن تعتصر ذكرياتك ماذا كنت تقول بشكل ظريف وأنت طفل فتجعل كل من حولك يضحك وتفشل، هي كذلك تفشل في تذكر متى سالت تلك الدموع بحرارة صادقة على وجهها، لا يهم الآن، المهم أنها لا تضع كحل مقاوم للماء بعينها .

انتهت من هندامها كامل من أول شعرة برأسها لأخر كعب حذائها كله يوشي بأنك يجب أن تقف أمامها بفم نصف مفتوح وعيون مشخصة عليها وأفكار متعددة نصفها قد يقع تحت طائلة القانون إن خرجت عن حدود عقلك ثم تُبدي إعجابك بكلمةٍ ما كل ما بها يُحتم عليك أن تقول شيئًا ما يُخلِد في التاريخ لحظة مرورها بك.
ثم همت بالنزول لعملها متحاشية النظر لذلك المكان الذي تتوسطه رسائله.


تذهب لعملها في نفس الموعد كل يوم يحفظ هو ذلك جيدًا يعلم مدى تعلقها بالنظام ورغبتها في التحكم بكافة التفاصيل الصغيرة لتشعر بتحكمها بعالمها حتى لا يخرج أي شيء عن الاطار الذي رسمته وبالتالي لا مفاجآت أو خيبة أمل تتعثر بها، الطريق الآمن هو التحكم بتفاصيل حياتك. يتحاشى هو أن يتقاطع معها بخطوط سيرها أو بمواعيدها فيضطر أن يُتقن هو الأخر التعلق بالنظام والتحكم بالتفاصيل ولكن فقط فيما يخص ملاقاتها فيرسم خريطة يومه بناء على النقاط الحمراء التي تعني وجودها وهكذا يتلاشى أن تنطلق كل الأسئلة المتراكمة بداخله فجأة على وجهه أو عينه فيُربكه أمامها ويُظهره بمظهر الضعيف فتسعد هي وهو قد تخطى الآن مرحلة إسعادها .. أليس كذلك؟


لم تتساءل هي لما لم تتقاطع دروبهما في الفترة الأخيرة فهو القصة التي انتهت فصولها لذا لم تعد تلك الصفحة أول ما تُطالعه بعقلها فهي الآن تبحث عن الضحية الجديدة، يظهر بوضوح في عينيها التي تعمل كرادار يفحص من حولها وشرودها وهندامها الذي تهتم به كثيرًا في مثل تلك الأوقات الفارغة منهم.

تخرج من عملها تبحث عن مكان جديد لتقضي به بعض الوقت، مكان به دماء جديدة عليها ووجوه يبدو عليها اعتناقها لفكرة البحث عن الأخر، لا تدري هي لما تملك تلك البوصلة تجاههم وكأنها حاسة سادسة أو قُلْ سابعة قد نمت لديها مع الوقت تجاههم فأصبحت ترصدهم بالفعل كما يرصد الرادار تلك السيارات زائدة السرعة على الطرقات ولكنها دومًا ما تُشبههم بمن يتسلق خارج فيلم لم تطله الألوان ليركب سيارة حديثة بفيلم مُشبع بالألوان بصورة عالية الجودة. هي بالفعل كمن يملك عين ثالثة ترصد قطعة البازل المختلفة في لعبة ذات ألف قطعة ترصدها على الفور بعين الخبرة وتدري اختلافها عن من يُحيط بها.


لم يخطر ببالها قط لعب دور الضحية فهو سهل للغاية:

أه العالم كله ضدي

أه أنا المعذبة بالأرض

أه كل الرجال متشابهون خائنون

أه لما كل هذا يا الله لما يكرهني العالم .. تضحك عليهم وعلى استسلامهم البشع لدور مغلوط وضعن به ورضين به ثم مع أول حرق إصبع صرخن يشتكين العالم الظالم، أه أنتم من ارتضيتم من الأساس أيتها الخائبات ثم مهدتم الطريق ليعتقدوا بأننا كلنا نُشبهكن .. ياللعار حين يهدرن قدراتهم الأنثوية بتلك البساطة المفتعلة. أنا مختلفة أقصى ما تتمناه احداهن أن تضع تلك الخطة العبقرية لإيقاع أحدهم ثم إن حدث وماتت ستكون أسعد من بالكون وينسونَ أو يتناسينَ فقدهن حينها لغريزة البقاء فبعدما يتملكن ذلك الرجل الهدية ستصبح كل دفاعاتهن صفر ليصبحن معرضات للهجر بأية لحظة وهو ما يحدث غالبًا حينما يكشف رجالهن أنهم يُريدون أكثر، هذا ما أملكه أنا أني أريد الأكثر ..


لا تُدخن ولا تشرب القهوة ولكنها حتمًا تستمع لفيروز، لا تضع نفسها بقالب غيرها أبدًا، تُتابع الأحبار المحلية والعالمية وأحيانًا تقرأ بشراهة وأحيان أخرى لا تشتهي سوى الاستماع لبضع أغنيات مختلفة يُمكنها أن تُتابع كرة قدم أو كرة سلة أو أي من أنواع الكُرات التي يتلهف العالم عليها. هي خليط مختلف أشهد لها بذلك ولكن ما كان أمامي سوى الوقوع بشباكها لم تترك لي خيار أخر ولم أبحث أنا عن أي اختيار، أمامها لن تُفكر سوى بـ "أين هو ذلك الطريق المؤدي لها؟ أهوى الوقوع."

هي أرادت وأنا نفذت، والآن هي تمضي لاستكمال حياتها وأنا معلق هنا أرسم خرائط تلاشيها ومجلدات في كيفية الصمود بعدها !


لا يلومني أحد منهم على إفاقتهم من ذلك الوهم بالطبع هي خدمة العمر لهم، تردد على نفسها وهي تتجول بنظرها باحثة عن القطعة التي لا تتماشى مع كامل المشهد حتى وجدتها، يوم جديد .. ضحية جديدة، فلنبدأ ..


*يُتبع بجزء ثان*

ساره عاشور

هناك تعليق واحد:

  1. الجزء التانى ...امتى ..؟؟؟
    مش هقدر استنى

    ردحذف