الجمعة، 7 ديسمبر 2012

زيف (جزء ثان)


الجزء الأول 

لا يلومني أحد منهم على إفاقتهم من ذلك الوهم بالطبع هي خدمة العمر لهم، تردد على نفسها وهي تتجول بنظرها باحثة عن القطعة التي لا تتماشى مع كامل المشهد حتى وجدتها، يوم جديد .. ضحية جديدة، فلنبدأ ..

بدأت بالنظرات المتقطعة نحوه، تنظر له لثوان صغيرة كفيلة بجذب انتباه مثله وحين تبدأ عينه في التحول تجاهها تذهب بنظرها للاتجاه المعاكس هكذا مرة واثنان وثلاث حتى تضمن تعلق نظره بها وحين يفعل تبدأ في إطالة مدة نظرتها له وتقلل من تلفتها عكسه. يبتسم فتنظر على الفور للمائدة أمامها فيرتبك ويظن أنه اخطأ يُعلق نظره بها للحظات بحثًا عن تلك الاشارة أن استمر وعندما يبدأ الأمل في التسرب منه تشد على أخر طرفه لتُرجعه له فيبتسم ابتسامة أوسع معناها أنه وقع !
والباقي مجرد حكايات عابرة في قصص عديدة ربما مررت أنت بها في عدة روايات، تلك الجميلة التي يقع بغرامها الشخص الفقير ليظن أنه أخيرًا قد طرق الحظ بابه وأتى ليبقى ليصطبح على مُر حقيقته أن الحظ فقط أتى ليبيت بحضنه ليلة ينعم بدفئه ثم سيكمل طريقه بحثًا عن صاحبه. هكذا هي الروايات.
أما نًسختها هي، تدخل لحياتك هي بكامل بهائها واختلافها عنك لتقلبك رأسًا على عقب تبحث عن نشوة انتصار أنك ستتملكها لتصطبح على حقيقة رحيلها عنك بعد أن جردتك من شبكة أمانك المتمثلة في البحث عن الحب والنصف الأخر ستتركك فقط عندما تعلم أنك وصلت لتلك النقطة التي عندها عندما تُصبح بدونها ستكفر بالحب كله.

أنا لم أكفر بالحب بعد ولم أكفر بها، لا تدري بأني قد انتصرت عليها لا أضحك على نفسي ولكني بالفعل نجحت في أن أتلاعب بتلك المتلاعبة الماهرة جعلتها تظن أني قد وصلت لتلك النقطة حتى تتوقف تلك الأفعى العاصرة عن اعتصار أخر قطرات الحب بي فهكذا بقى معى بضع قطرات ولحظي السعيد قطرات تحمل اسمها لذا فأنا أتحاشاها ونعم مجددًا أنا لا أضحك عليا أنا بالفعل متيم بها ولكني أيضًا أجعلها تتلاشي فخطتي تنجح وخرائطي ذات مفعول سحري رائع إن لم يكن فقط في نقطة ضعفي تلك، الرسائل التي اعتدت ارسالها لها لأُشعرها أن هناك قطرات تحمل اسمها داخلي تأبى الرحيل لربما تملك هي مثلها يحمل اسمى فنجمعهما معًا ونُكمل حياتنا، مرت ساعة دون أن أتذكرها، ألم أقل لك لم أضحك على نفسي؟!

عندما بدأت في نصب الفخ الجديد وإيقاع الضحية الجديدة بها، الرسائل المتلهفة التي تقطر اهتمام والمحادثات التي تنتهي بتنهيدة حارة "أنني أرغب أن أقول أني أحبك رغم ذلك الوقت القصير الذي عرفتك به ولكني سأبقيها داخلي ريثما تعترف بها أنت" فيُصدقها المرة بعد المرة حتى يكون هو على شفا اعتراف وتكون هي قد بدأت في حزم حقائبها عنه.
أصعب ما تمر به هي هو تلك الفترة الأولى بعد الانتهاء، البدايات أحيانًا صعبة ولكن الانتهاء وتنظيف ممرات حياتك من أشياء تراكمت منهم وعادات كنت تصاحبها لأجلهم أمر صعب للغاية فهي تكاد تُجزم أن هناك عادة أو اثنتان متربصتان بها في مكان ما داخلها ستظهران لها فجأة لتهدم جدار أمنها الزائف ذلك.

ترتيب نفسها بعدهم تعتبره هي أمرٌ جلل يمنعها التفكير فيما خلفت خلفها لديهم، فلتنشغل بما لديها الآن تلك الأشياء التي وجب التخلص منها هنا وهناك وتلك التفاصيل التي يجب أن تهتم بها لتُصبح هي نفسها دون من يتشبث بها لتُريه العالم المُشبع بالألوان كيف يعمل؟
تُصاحب كتاب جديد أو تُعاود الاستماع للأغاني التي تضمن لها العودة لنفسها وتتلافى التعثر بأي شيء يخص أيًا منهم حولها وبالأخص الرسائل، تذهب للمرآة لتنظر لوجهها هل عاد رونقه أم لا؟
ثم تطرف عينها مرة أخرى تجاه الرسائل، هل تأتي الآن للمرآة فقط لتنظر لتلك الرسائل ثم كيف ستتخلص من وجودهم المزعج حولها إن لم تقترب منهم فكيف ستتصنع تجاهل شيء يصرخ بك معلنًا إقامته ولن تملك أنت أن تحذفه عنك !
عليها أن تتخلص منها ولكن لأُعيد وضع زينتي أولًا حتى لا أتعامل مع تمرد كذلك دون وجود دفاعاتي، أحمر الشفاه ذي اللون الدامي والخدود المتوردة وإن كانت مُزيفة، هل أنا حقًا مُزيفة؟ إن كنت فكيف لك هؤلاء أن يقعوا بهواي إذن !
ولكنهم لم يقعوا بهواي هم وقعوا بهوى تلك الصورة التي أرسمها لهم إذن هو زيف !

تضع الكحل غير المضاد للماء وتحاول طرد تلك الأفكار مجددًا يكفى التمرد ثم تغمض عينها تستجمع قواها وتزفر الأفكار الشريرة تلك وتنظر للرسائل في المرآة ثم تلتفت لتواجههم أخيرًا ستواجههم، تتردد في الذهاب تجاههم ولكن تُقرر أنها أقوى من ذلك الآن بها خلاصة تجارب أرواح عديدة مرت بها من المؤكد أنها ستمنحها قوة ما لمواجهتها.
خطوة خطوة باتت أمام الرسائل الآن وجهًا لوجه أو فلنقل وجهًا لورقة ..

لا أنتظر منها أي رد على تلك الرسائل لا أطلب منها ذلك ولا أدري ما يتملكني بالأساس ليجعلني أكتب لها مواجعي وأضع كل ما بي على ورقة ثم أرسلها لها .. غباء هو ممكن أو فلنقل جزء من حُبي لها أن أضعني بكل ما أمر به وكل ما يُمثلني بين يديها، من يُحب يفعل أكثر من ذلك أليس كذلك؟
لا أستطع أن أترك أي مصادفة صغيرة تجمع بيني وبينها في مكان ما ولكني أقدم لها كل ما هو أنا لتقذفه بسلة المهملات، هل تفعل ذلك يا تُرى أم تقرأني؟
هل بكت من أجلي ولكن إن فعلت لما لم ترد على أيًا منها ولما لم أصادفها وهي تعلم بخرائطي كما أعلم بخرائطها ولكن هل تتذكرني؟

أمسكت بها لقرأتها وهي تتظاهر بأنها فقط رغبة منها في الاطلاع على ما يكتبه ولماذا يستمر في الكتابة لها !
بدأت تقرأ ومع كل سطر تشعر بكل ذنوبها تطفو على السطح ثم بدأت عيونها في الامتلاء فتركت الورقة من يدها ووضعت يدها علي عينها لتُذكر نفسها أن الكحل غير مضاد للماء لا يمكنك أن تبكي الآن وعندما تتماسك قليلًا يدفعها فضولها مجددًا لتُمسك بالأوراق وهي تستغرب ما تلبسها في هذه اللحظات باتت ضعيفة مثلهن !
ثم تمسكت بالورقة وكأنها ستنقذها من الغرق داخلها وبدأت تقرأ وتقرأ ودموعها تنزل بحرارة صادقة على وجهها، وتُنهنه على فقدانه وتبكي ولا تتذكر كحل عينيها وتقرأ رسالة ثم أخرى حتى انتهت من الجميع وقد فقدت ذاكرت زفراتها وفقد ذاكرة التماسك وفقط تبعثرت. تبكيه وتنكسر.

وتتذكر باتت تتذكره ولا تتذكر الكحل الغير مضاد للماء وتتذكر ابتساماته ولا تنتبه أنها تبكي للمرة الأولي منذ من يدري كم من الوقت الآن وتتذكر كلماته الحانية ولا تستمع للدوى الهائل داخل قلبها الآن لانكسار غلافه الجليدي الذي احاطته به طوال أعوام. وتتذكره ولا تُنكره ولا تُنكر ضعف أنوثتها ولا تتظاهر بقوة الرجال ولا تحاول الخروج من القالب أو الوقوع في أخر ولا تتذكر سوى أنها جالسة الآن بأرض غرفتها وسط رسائله وكلماته ووسط نفسه التي تخرج تمردًا من الورق ولكنها لا تتذكر كيف تُحدثه وماذا ستقول وهل سيصدقها ويُصدق انكسارها ويسمع ذلك الدوى داخلها هل وهل وهل وما لبثت أن طفت أسئلتها لسطح وجهها مُعلنة ارتباكها الكامل أمام صدقه وخذلانها المفزع لنفسها حين بدأت في تصديق أنها مُضادة لتلك الأفكار الباحثة عن النصف الأخر أو ربما من كثرة ما تشبعت بها منهم باتت تُشبههم الآن وعليها أن تبحث عنه لتُعلن أنها المتلاعبة تذوقت احساس الفريسة وأصبحت أسيرة بشباك فخها وتُقدم نفسها له هو الأصدق والأطهر وهو قطعة البازل التي ستُكمل مشاهد حياتها الألف القادمة بألوان مُشبعة بِالقدم.


ساره عاشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق