" عزيزي البعيد ,,
كان عليَّ أن أبدأ أنا خطابي بالفصحى هذه المرة كي أعفيكَ من قيدها ولأن قصتي هذه المرة تتطلب الفصحى، بدايةً لكْ سلامي ومحبتي وإمتناني لتقبلك الكتابة بالفصحى ومن الرسالة القادمة لكَ أن تكتب كيفما ارتأيت.
عليَّ أن أعترف لكَ أنني كنت على بُعد خطوات من التوقف عن الكتابة، جفت الكلمات من عقلي فجأة وبالتالي لم أكن لأخط لكَ أي شيء عادي لتأدية مهمة فكان ما سأقص عليك هو النتيجة لعناد الكلمات معي.
فيما كنت سأقص عليك كثيرًا عن أيامي وما إلى ذلك ولكن ما أن وقع القلم بين أصابعي حتى تسربت الحروف من عقلي لذا سأقول لكَ ما كنت أملك شغف عظيم تجاه خطه إليكَ ألا وهو الايفوريا !
إن لم تسمع بهذا المصطلح من قبل فهو بمعنى الانتشاء أو لأكون دقيقة أن تصل لقمة ذروتك من السعادة فتجد حتى كرات دمك تبتسم.
ولكن ما لبث أن ذهب شغفي مع الريح فكل ما حولي يملك مؤامرة ما تجاهي، هذا هو ما أفكر به الآن ..
هل تعلم أنني قد بدأت خطابي هذا لك منذ شهر تقريبًا ثم تركته لأن شغفي تركني لأن كل الكون حولي به ما يُفقد الشغف نفسه شغفه ليظل شغف !
لا تستطيع أن تحافظ على أي شيء معافى بروحك في هذه الحياة الآن، كل ما تستطيعه هو أن تحافظ على كونك أنت أو أن تحاول ذلك على الأقل، أن تحاول بناء سياج حول ذاتك والبدء في صد أي هجوم شرس من الكائنات المتحولة حولك.
كنت أظن أن الأفلام الأمريكية عن "الزومبي" أو الموتى الأحياء هي مجرد خيال زائد عن الحد ولكن الآن يجب أن تنظر لهذه الكائنات بكونها رمز لما ستؤول له البشرية وليس لكونها كما هي انسان بشكلٍ ما أصابه فيروس أدى لوفاته ولكن يقوم بعد ذلك بالتجول بخطوات متثاقلة باحثًا عن الأحياء ليأكل مخهم !
لكن هل تظن أن التلفاز هو السبب في وصولهم لهذه المرحلة من تآكل الحياة داخلهم ثم زحفهم لأكلها من الأخرين ليتحولوا مثلهم وكأن يجب عليهم نشر الحزن أحياء كانوا أم موتى ولكن فرحهم يجب أن يستتر عن الأعين.
أم تظن أن كثرة ما فعله بشرٌ غيرهم بهذا الكوكب البائس هو ما أدى لتلك الحالة فأصبحوا يشتهون القتل مثلهم ولكن ليتقبلوه فيجب أن يكون للحفاظ على بقائهم هم فالزومبي يموت أن توقف عن أكل المخ ولذلك يجب أن نتسائل ماذا سيفعلون بعد الانتهاء من أخر مخ على وجه الأرض هل سيظلون هكذا هائمين بخطواتهم الزاحفة حتى هلاكهم؟!
أكاد أمسك بخطابي هذا لأمزقه وأعيد كتابته بمحاولة جديدة كي أحكي لك بحق عن الايفوريا وما يُصاحب المطر من سعادة بالغة في قلبي ولكن لتعلم يا صديق أن فرحي ليس مستتر كم يفعل البعض ولكنه منتفي الوجود في الأساس .. قُضي عليه تمامًا.
سأكتفي بهذه الأحزان والتساؤلات الآن لأحاول الكتابة لك في وقت أخر ببال غير منشغل بهموم العالم حوله مثل الآن ..
فلتبقَ ذو عقل نشط يا صديق ولا تسمح لأحد بأكله بأي شكل ممكن ولتبقي أفراحك منثورة على من حولك حتى يجد الجميع أشياء جيدة يتذكرونك بها عند انتهاء أيامك على هذا الكوكب البائس ومن يعلم يُمكن أن يكون نشر السعادة هو المضاد الفعال ضد التحول لزومبي ذو خطوات بائسة زاحفة كئيبة .. أظنهم دائمًا يملئهم حزنٍ ما.
صديقتك المكتئبة في هذه اللحظة .. "
أحزنته رسالتها كثيرًا لما تحمله الحروف من حزن وألم عميقان وما يبدو وكأنها قررت أن تحمل ثقل العالم فوق أكتافها التي لابد وأن تكون صغيرة على تحمل كل ذلك فوقها، يعلم تمامًا أنها محقة في حديثها عن الكوكب البائس فهو يحيا بجزء نشط في بؤسه وأن كان أخف وطأة من ما تحيا به هي فعلى الأقل هو يُترك وشأنه ليفعل ما يُريد وقتما يُريد -يؤثر على ذلك أحيانًا كونه عربي مسلم في بلد غربي- ولكنه يملك أيضًا جزء من معرفة فالعالم الغربي بدأ في تحوله البطئ نحو مرحلة الزومبي بالفعل ولهذا كانوا أجدر على تمثيل هذه الأفلام، ولكن أيضًا في جانب أخر فهم أكثر من يحتفل ويحتفي بالحياة "لا أدري لعل الانسان أعقد من تحليله" قالها مع زفرة تحمل خيبة أمل ثم قرر أن يجلس ليكتب لها مواسيًا ..
" عزيزتي القريبة البعيدة ..
أشكرك في البدأ على اعفائي من الفصحى وسأكتب لكِ أولًا بما بقى من أثارها على قلمي ثم أكمل لكِ بما أحب من عامية، أحزنني خطابك صديقتي وأحزنني تأخر رسالتك أولًا ثم تحاملك لانهائها لاحقًا ما كان عليكِ ارهاق روحك المثقلة بذلك ولكن أتمنى أن تكون الكتابة قد أزالت عبأ ولو قليل عن قلبك ..
حابب أحكيلك حكايات فأردلك نعنشة قلبي بحكايتك بس ماظنش أني عندي جزء من طفولتك في روحي تاني، يمكن أنتي قدرتي تحافظي عليها شوية لكني في شبه الغابة المادية اللي عايش فيها مقدرتش أحافظ عليها، كنت بفكر في كلامك عن الزومبي وحاولت أطبقه على الناس هنا ونجحت في جزء فعلًا بس فشلت في جزء تاني لأن الناس هنا بتحب الحياة وبتحب تحتفل بيها مش زي عندك أبدًا يمكن لو لخبطناهم على بعض في وقت هيطلع منهم فعلًا كائنات حية ميتة بجدارة.
ماتحمّليش قلبك فوق طاقته عشان مايعجزش، اعملي زي ما قولتي وابني سور حواليه وحافظي على طهارة الطفولة اللي باينة فيه هتلاقيها بتغسله في أشد الأوقات اللي بتحسي فيها باكتئاب وتلاقي نفسك بتقومي من كل وقعة زي دي وأنتي كويسة وروحك بجمالها من غير خدوش.
أنا فكرت في أني أقولك حكايات قديمة بس بنهايات جديدة تتناسب مع حالتك بس مش عارف هي ممكن تخرجك منها ولا تتسبب في أنك تغوصي فيها أكتر، عمومًا أتمنى التانية ولو حصل الأولى فأنا آسف:
* كان فيه زمان ولد صغير شقي وعايش وحيد في وسط قرية في مكان حلو كله خضرة وفيه بحيرة، الولد أهله ماتوا وهو صغير فكان دايمًا عنده ملل وبيسلي نفسه بأنه يعمل مقالب في أهل القرية .. مرة يهرب الغنم بتاعت واحد ومرة يغير مكان حاجات في مطبخ في بيت وبعدين لما خلص كل ده قعد يفكر في حاجة تانية يعملها تبقى جديدة فراح عند البحيرة ووقف عند أقرب شجرة ليها وشوية وحدف طوبة وقعد يصرخ بصوت عالي من ورا الشجرة "الحقوني الحقوني أنا بغرق" الناس راحت له جري عشان تنقذه وأول لما لقاهم مقربين راح خارج بسرعة من ورا الشجرة وخضهم وطبعًا الناس كلها اتضايقت منه يعني مش كفاية كل اللي كان بيضايقهم بيه كمان هيضحك عليهم كده وزعلوا منه وسابوه ومشيوا بس هو قرر أنه يكررها تاني لأنها أكتر حاجة مسلية بعد كام يوم عمل نفس الحركة تاني والناس جات تجري تاني بس بعدد أقل من المرة اللي فاتت وخضهم تاني فزعلوا منه تاني وقالوله لو عملت كده تاني مش هنصدقك أبدًا وبعد كام يوم رجع زهق تاني فقال يجربها بشكل جديد أنه ينط في البحيرة بجد وبعدين قعد يفكر هو بيعرف يعوم ولا لا طب ما هو لو رمى نفسه دلوقت وطلع مش بيعرف يعوم وأهل القرية ماصدقهوش فعلًا هيغرق بجد طب هو هيعرف ازاي لو كان مش بيعرف ولا بيعرف فقال أنا هنط وخلاص وقلع هدومه بس اتردد شوية وبعدين راح ناطط في الماية وجرب يحرك ايده لقى نفسه بيعوم والماية ممتعة فقرر يبطل مقالب ويبدأ يعوم من النهاردة ..
* كان فيه بنوتة جميلة بتحب اللون الأحمر وعندها فساتين باللون ده كتيرة وكان لها جدتها عايشة في مكان بعيد عنهم لوحدها، فالبنت كانت بتروحلها كل يومين تزورها وتوديلها أكل وتقعد معاها شوية وترجع لوحدها، كان فيه كائن شرير بيراقبها وناس كتير قالوا أنه ذئب بس هو مش ذئب هو يمكن فيه شبه منه، المهم أنه فضل يراقبها وكان معجب جدًا باللون الأحمر وكان نفسه يبقوا أصحاب بس هو عارف أنها مش هتقبل تبقى صاحبة واحد شرير زيه وبعدين وهي رايحة في مرة لجدتها قرر أنه يراقبها من مسافة قصيرة ويشوف هتاخد بالها منه ولا لا يمكن لما يقرب هي تشوف فيه حاجة حلوة فتقرر أنه مش شرير ويطلع مش كده، فقرب منها والبنت حست أنه فيه حد بيراقبها فبقت تمشي بسرعة وأول ما وصلت عند بابا جدتها قرر يفاجئها ويقرب منها يكلمها بس فكر هي كده أكيد هتتخض وهتشوف أنه شرير فرجع عن فكرته بسرعته ودخلت لجدتها وبعدين وهي راجعة مقدرش يستني ووقف في طريقها وقالها أنا عاوز نبقى أصحاب أصل أنا كمان بحب اللون الأحمر البنت اتخضت جدًا وبسرعة طلعت مسدس وضربته رصاصة في قلبه ومات وهي جريت وهي بتفكر ازاي تقتل كائن جميل زيه بس هو اللي غلطان أنه خضها كده وهي لازم تدافع عن نفسها ونامت ومحلمتش بيه بس حلمت باللون الأحمر ..
* كان فيه مرة أمير في مملكة صغيرة وكان والده عاوزه طبعًا يمسك الحكم بعده وعشان يعمل كده لازم يتجوز وهو مش عاوز يتجوز ولا عاوز يمسك الحكم هو عاوز يشتغل رسام ويلعب موسيقى ويسافر يشوف العالم ووالده مكنش موافق وشايف أن ده كلام فاضي ودايمًا كانوا بيتخانقوا عشان الموضوع ده، في يوم قرر أنه يهاجر ويسيب المملكة كلها ويعيش حياته زي ما يحب هو وقرر عشان يرتب لكده أن يحصل ثورة والشعب يختار هو مين يحكمه ويسافر هو براحته وبدأ يقابل شباب ورتب معاهم كل حاجة وحصلت الثورة وقدر يسافر برة البلد وعاش حياته زي ما كان حابب واتعلم يعزف موسيقى كتير وكمل حياته بالطريقة اللي حبها وأخد جوايز على رسوماته وبقى مشهور والغريب أنه مسألش على مصير أهله ولا اهتم لأنه حس أن أهله كانوا أنانيين معاه فقرر يبقى أناني هو المرة دي ومات وحيد ..
دي كل الحكايات اللي عارف أحكيهالك يمكن تساعدك ويمكن لا بس أتمنى صديقتي ترجع بحواديتها الجميلة لأني مشتاق أقراهم تاني ..
دُمتِ بريئة .. "
ساره عاشور
الجزء الأول:
http://simply-saso.blogspot.com/2013/04/blog-post.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق