"بيني وبينك سور ورا سور .. وأنا ولا مارد ولا عصفور"*
جلس يُدندن بها وهو يُشاهد الطيور الحديدية تعلو وتهبط بالمطار معلنة رحيل أحبة لإناس أو وصول أحبة لإناسٍ أخرين. ساعتين بعد وداعه إياها وهو يجلس يُراقب حركة الطائرات بالمطار.
أثقل قدميه الشعور بالعجز فلم يقو على مغادرة المكان إلا بعد أن رأى خطوط النور بدأت تعلو بالسماء فعاد لمنزله.
كانت زميلته بالجامعة، أحبها في صمت لعلمه أنه يحتاج لسنوات حتى يقدر على الزواج بها. اكتفى بأن يتابعها بشغف. يعلم ما تحب وما تكره ويحفظ عن ظهر قلب صدى ابتسامتها ويعلم قلبه بحضورها قبل أن تملئ المكان حوله.
انتهت أيام الجامعة ولم ينتهي من قلبه حبها، مضيت قدماً بحياتها وهي لا تدري بمن يذوب في تفاصيلها فتزوجت وأنجبت ثم بعد سنوات قابلته بالصدفة في مؤتمر وجلسا ليتحدثا ليبوح لها بكل ما يملك منها في قلبه. لتفاجئه بأنها كانت تشك بأنه يحبها فلا يوجد امرأة لا تستطيع قراءة نظرات رجل يحبها، قضيا وقتاً طويلاً يتحدثان ثم أعلنت هي أنها يجب أن تذهب لبيتها وزوجها ليوصلها بسيارته ويترك قلبه يرحل معها.
بدأ يتولد لديه بعض الأمل، مَنْ مِنا لن يوهم نفسه ببعض الأمل مقابل ألا يخسر ما يعتبره حب العمر !
عاش على أمله الذي كان يُلد في خطٍ موازٍ له شعور بالعجز، فالأمل بلا أمل هنا.
كان يطير في السحاب إن هو سمع صوتها على الهاتف لثوانٍ، كان يعيش فقط لأجل تحقيق الأمل بحياة معها.
ثم علم بالصدفة من صديق مشترك لهما أنها سوف تهاجر مع زوجها وطفلها إلى الخارج، تتبع معلومات الرحلة حتى وصل لموعدها ولم شتات نفسه وركب سيارته وقلبه يسبقه وهو يتجول في طرقات المطار وحوله البشر الذين يبدو عليهم الضياع، غالباً ما يبدو البشر بالمطارات وكأنهم تائهون. كمن ترك بوصلته خلفه ليمضي بلا إرشاد.
ما إن وصل للمكان المتواجدة به ولمحها من بعيد تقف مع عائلتها تودعهم حتى توقفت قدماه عن الحركة ولكن قلبه كان قد سبقه إليها فنظرت نحوه وكأنها كانت تعلم مسبقاً أنه هناك، تسللت من خيوط العائلة وذهبت إليه لتودعه، عناق حار طال لدرجة لفتت أنظار من حولهما فاضطرا لإنهائه. قَبّل كلاً منهما أنامل الأخر وكأنه يأسر رائحته ليحتفظ بها معه .. وتبادلا نظرات لا معنى لها سوى سوف أجدكِ أو تجدينني يوماً ما إن لم يكن فى الدنيا ففى مكانٍ أخر .. وكلمات أخرى كثيرة تبادلتها عيونهما ثم تركته لتعود لزوجها لتلحق بموعد الهجرة. فتترك خلفها كومة مشاعر جُمدت في شكل إنسان تَمَلّك منه العجز.
جلس يُراقب حركة الطيور الحديدية في سماء المطار وفكر لأول مرة في معنى الحدود والمسافات التي تتسع على اتساعها والتأشيرات التي تُعلن فوز أرضٍ أخرى باستقبال أحبتنا و الأوطان التي يغادرونها فينا.
يُفكر في صعوبة قدرته على استقلال أياً من هذه الطائرات، فقط يدخل للمطار يدخل من البوابات العديدة ليصل في سلام لسُلم الطائرة فيجلس ينتظرها تعلو به في السماء متتبعة خطوات قلبه. لماذا لا نجد قدرات سحرية خارقة حينما نحتاجها !
جلس يُحدق في الطائرة التي تبدو ضخمة في البداية ثم تبعد وتبعد فيصغر حجمها إلى أن يظهر مجرد وميض يخبو ويضئ بشكل منتظم من الطائرة ويظل يخفت كمؤشر نبض لمريض بالقلب فى لحظاته الأخيرة ..إلى أن يستحيل هذا المؤشر إلى خط مستقيم مغلف بصمت .. ليعلن وفاة المريض أو اختفاء الأحبة فى السماء.
"بيني وبينك سور ورا سور .. وأنا ولا مارد ولا عصفور"*
*كلمات: نجيب سرور
ساره عاشور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق