تأتي لحظات ما بعد الغياب الأولى بمشاعر حادة في كل اتجاه .. يُصبح كل
احساس وكأنه تحت عدسة مُعظِّمة تُعطيه ما يفوق حجمه بمراحل. فتستهلكنا
قوتها لننهار في أخر خطوطها لنصل إلى حد اليقين ..
كان كل احساس بداخلها أكبر مما كان عليه في الأصل بعشرات أو قل مئات المرات .. الذكريات السعيدة تطير بها أكثر عن ذي قبل وكل حُزن تشعر به وكأنه سيكسر أضلعها، الضلع تلو الأخر في بطء وتلذذ بصراخها ..
وغاب عنها وسط المشاعر التي تعصف بها أن تشعر بالراحة .. فلا راحة لها الآن لا راحة لها قبل أن تنزل بقدمها أرض الواقع وحيدة دون أن تتعكز عليه ..
....
بقى هو ينظر لهاتفه كل 10 دقائق بعد أن جائه إشعار أن رسالته قد وصلتها أي أنها قد فتحت هاتفها و انتظر رداً منها وعاد لقراءة رسالته وكل مرة يقول لنفسه أنه كان يمكن أن يُعبر عما يُريد بطريقة أفضل ويجد الكلمات ترتسم أمامه بعد أن كانت قد هربت وقت أن احتاجها ..
في المرة العشرون التي يمسك بها الهاتف قرر أن يُجرب الاتصال بها فسمع الرسالة المسجلة التي يكرهها كُل من يتأرجح على أرجوحة الانتظار "الرقم الذي طلبته ربما يكون مغلقاً من فضلك حاول الاتصال في وقتٍ لاحق"
وضع هاتفه على المكتب بعصبية وأمسك بعلبة سجائره وأشعل سيجارة وهو ينظر لصورتهما معاً، يقف أنيقاً مُبتسماً وهي بجانبه تنظر بكل الحب نحوه.
كَره أنه اعتبرها أمراً مُسلماً، فدائماً ستكون موجودة بجانبه ودائماً تحضر عندما يحتاجها ودائماً ستعتني بكل جراحه وانهزاماته وتَصلب ظهره ضد عواصف الحياة. دائماً هي أمامه ومعه حتي أهملها وأهمل حُبه لها حتى كان أن تركها بلا أي اعتبار لما كان ..
و كَره تأخّر تحذير هذا الصوت له بأنه يتوجه نحو طريق طويل ولكنه مسدود سيعود منه حتماً ولكن وحيداً ..
كان يلح على عقله ذكرى أخر لقاء بينهما حينما احتضنها بقوة عند وداعه لها وكأنه كان يعلم داخله أنها أخر مرة للقائها.
جلس يدخن ويفكر كثيراً بشكل متداخل بين لقائتهما وبين حالها الآن: آه .. كيف هي الآن !
----
أمسكت بالهاتف بعد أن قررت أخيراً ماذا ستقول له. اتصلت به وعندما سمعت منه "ألو" بدأت في كلامها دون أن تنتظر منه أي اجابة قالت له: تفتقدني وتنتظرني !
طبعاً تنتظرني فمتى لم تلقاني وقتما تريد، تفتقدني فمن كان يهتم لأمرك سواي !
حاولت أن تبدو متماسكة بقدر الامكان وألا تعطيه فرصة للتحدث، سماعها لصوته الذي يبدو عليه الانكسار سيذيب حواجزها.
أخذت نفس عميق ثم قالت: نحن انتهينا، لا تعاود الاتصال بي أبداً في أي وقت .. انتهينا.
وأغلقت الهاتف سريعاً ثم نظرت له وبقيت تبكي في مكانها.
ساره عاشور
عجبتني النهاية
ردحذف