الأحد، 14 أكتوبر 2012

لُعبة ..

 
غالبًا ما توصف المرأة بالحنو ويوصف الرجل بالجفاء .. هنا اختلف الأمر.
"مبقتش فاضي لا للعتاب ولا للعناد ولا للتراضي .. بتضيعي وقتك على الفاضي
ومن الساعة دي بقولك إنتِ بالنسبة لي ماضي والأظلم بيكون البادي .."*
ما إن سمعتها على الراديو ومعها إسمه كإهداء لحبُه الذي أصبح قديم فهمت أنها المعنية بهذا، ابتسمت بهدوء وجلست تستمع لبقية كلمات الأغنية لأنها رسالته لها.



بقيت شهور وهي تُلهب علاقتهما بألسنة تناقضاتها، تارة تُحبه ولا تقدر على أن تمر ثانية دون وجوده معها وتارة أخرى تريد أن تختلي بنفسها لتُرتب أمور حياتها وتعيد حسابتها وهذا هو ما يعني ان فقط اغرب عن وجهي الآن وهذا ما حفظه هو فيما بعد.

كان يُحب هذه التناقضات والشخصيات المتعددة في البداية التي تبدو معها وكأنها امرأة جديدة كل يوم ثم ما لبث أن اُرهقت روحه بعد ذلك فعليه أن يحفظ كل تقلب لها والتصرف المناسب معه، عليه أن يملك سرعة بديهة شديدة تُمكنه من التقاط اشارات الشخصية الجديدة اليوم قبل أن يثور بركان غضبها لأنه لا يعرف كيف يتعامل معها وهو الذي وعدها أنه يمتلك القدرة على احتوائها بكل تعدداتها ليكون كغلاف الجليد الذي يحوي البركان داخله فيقي الجميع شر حِمَمَهُ.


صدّق هو انه لديه هذه القدرة العظيمة على احتواء مثلها، أخذه انبهاره بها حد عدم قدرته على التقييم الصحيح ما تكون هي عليه مقابل ما يملكه هو. كان يهمه فقط أن تكون هي بحياته. كانت تتعامل معه وكأنها هي الرجل الشرقي بهذه العلاقة، هي من لا تستطيع أن تُحدد إن كان ما تشعر به هو حب أم هو مجرد إعجاب !

هو يهتم بها ويسأل عن أحوالها دائمًا وهي تتهرب منه وتتحاشاه. هو من يجلس جانبًا بنتظرها في أوقات فراغها لتُلقي عليها ببعض رذاذ من شبه حنان فتسقي قليلًا زهرة الحب بقلبه لتبقى حية.
هو كان بقلب امرأة وهي كانت بجفاء رجل .. علاقة ذات معادلة مقلوبة.

كانت تمسك بخيط اللعبة جيدًا، تعرف متى يحين وقت ظهورها حتى لا يملّ فتخسره ومتى تختفي حتى لا يعتاد على وجودها كثيرًا .. وهو من أجل حُبّه لها تحمّل وهو يُمني نفسه بأنها لأجله ستتغير.

حاول معها كثيرًا، حاول إثارة غيرتها، حاول أن يبتعد كليًا عن مشاهد حياتها. حاول وفشل في كل مرة. لم يكن حنينه يسمح له بتخطي خط وجوده بدائرتها وإلا انطلقت صفارات الإنذار ليل نهار لتؤرقه فيعود يجر أذيال الخيبة.

ما قصم ظهر احتماله وجعل ثورته عارمة حينما اكتشف أنها تبدأ علاقة جديدة مع شخص جديد. ثار البركان الذي بقى لوقت طويل يهيل عليه التراب ليخمده لكنه فقط خبأئه.
بحث عنها بكل الوسائل، حاول الاتصال بها كثيرًا، زار كثيراً كل الأماكن التي تُحبها هي ولكنه فكر أنه ربما تغيرت هذه الأماكن الآن حسب الشخص الجديد ثم جلس يفكر هل يهتم بها مثلما كان يهتم هو بها؟
هل يسعى بكل جوارحها لارضائها كما كان يفعل هو؟
هل يسقى أرضها بحنانه حد الاغراق كما فعل هو؟
وهل تمسك بخيوطه هو الأخر أم أنه هو من يُمسك بخيوطها ؟! حتماً هو من يُحركها حتماً هو الرجل الجافي وهي المرأة الحانية ..
كل فعل يأتي له وقت رده كاملًا لصاحبه ولو بعد حين.

جلس ساعات الليل كاملة أمام النيل وأفكاره تتحرك مع انعكاس ضوء القمر على صفحة مائه. تهتز وتهتز ثم ما إن بدأت خيوط الضوء في الصعود للكون حتى قرر أنه لن يلحق بها مجددًا بل سيجعلها هي تندم فمن يُمسك بخيوطها هذا حتمًا سيكسرها في مرحلة ما عليه فقط أن ينتظرها.

وصدق ظنه ومثلما لم يطل الوقت حتى يُرد لها فعلها لم يطل الوقت أيضاً حتى أتت له ليسقي أرضها العطش لحنانه وليُصلح لها خيوطها لتسلمها له راضية. أتت له لتعلن في إنهزام أنها ستتغير لأجله كما أراد ولكنه أراده فعل إرادة وليس فعل إنكسار.

وبكل قسوة تعلمها منها رفضها ومضي راضيًا بقراره وخياره وحياته دونها ..


*أغنية مبقتش فاضي لمحمد محي

ساره عاشور

هناك تعليقان (2):

  1. رائعة جدا، تحرك في ذهني الصور و المشاعر

    ردحذف
  2. كان عليه ان يكون حاسما منذ البداية وان لا يترك نفسه هكذا معها، لابد من خطوة جدية حقيقية ان كان لهما املا في الاستمرار

    من الغباء ان ينتظرها حتي تعود اليه، كم من المنتظرين ماتوا وانتهيت حياتهم قبل ان تعود اليهم؟!

    المشهد الاخير غير مقنع فهذا المنتظر اذا كان قد انتظرها واحبها حقا ففي الغالب سيهرع اليها الا لو كان قد وجد ارتباطا جديدا لحياته مع حب جديد

    ردحذف