الاثنين، 25 يونيو 2012

صعود



روحي تحلق في السماء طلبت أن ترى أحوال البعض في الليل الذي تعشقه.

هي:
تجلس وحيدة في غرفتها أمامها على مكتبها جهاز "اللابتوب" لكنها مشغولة في تقليم أظافرها والغناء مع فيروز .. بين الحين والآخر تخطف نظرة نحو الشاشة ثم تعود إلى ما تفعله، ما إن ظهر الصوت "دنج" حتى تركت كل ما في يدها وإتجهت نحو الشاشة بكل حواسها وكأن الكُل فيها يبتسم فقد حان وقت الحديث مع من تُحبه ولا يدري هو بما في قلبها له.
جلست تكتب وتقرأ وفي لحظة انتبهت لكل حرف يظهر على الشاشة ثم تبينت دموع في عينها ولكنها بعثت له بإبتسامة حتى لا يدري بوقع كلامه عليها ثم كتبت له "مبروك" و كأن عاصفة حزن عصفت بكل حواسها. فمددت يدي أمسح على قلبها وتركتها لحزنها ..
كُل منا يجب أن يحظي بوقت يحزن فيه على طريقته بلا تطفل أي شيء عليه. الحزن طاقة لابد من خروجها.

هو:
يعيش وحده مغتربًا، يحضر لنفسه طعام العشاء ويستمع للراديو .. ما إن إستمع لبداية الأغنية التي يحفظها عن ظهر قلب حتى ترك كل ما بيده وأغلق عينه وبدأ في التحرك في أنحاء الغرفة ويده أمامه وكأنه يرقُص معها. حاولت أن أملأ هذا الفراغ بين يده وجسده ولكنني مجرد روح بلا جسد وفراغه لا يملئه غيرها.
تذكر وقت أن كانوا في ذاك الحفل وسط أصدقائهم ولما بدأت هذه الأغنية حتى طلب منها أن ترقص معه على أنغامها، استغربت طلبه ولكنها وافقت .. وبدأوا في الرقص والدوران والضحكة تملأ قلبه قبل وجهه وهي واقعة في خجلها وتحدثوا كثيرًا عن كل شيء يمكن التحدث عنه. تذكر وقت أن قالت له أنه لابد لكل منهما أن يسلُك طريقًا مختلفاً لأنها لا تستطيع أن تنتظره أكثر .. تذكر إحساس بهجة قلبه وهي ترحل معها بلا رجعة .. إحساس لا يُعاد له إلا لمحات مع كل ذكرى تعبُر رأسه بكل ما يُذكره بها حوله. كهذه الأغنية التي تُذاع الآن دون أن يعلم من ذاعها وقعها على أشخاص يستمعون له .. "لماذا لا يُقدرون الوحيدون منا في العالم" قالها لنفسه وعاد لتحضير عشائه .. رَبّتُ على كتفه ومضيت.

هي:
تُحب السهر في هذه الليالي التي يكون القمر فيها كبيرًا ووحيدًا مثلها تمامًا، تُمسك صورة زوجها الراحل وتحكي لها عن كل ما حدث معها في يومها وعن مدى إشتياقها لصُحبته. تتعجب معه أن تغير العالم من حولها، عن تغير البشر وطباعهم. عن وحدتها التي تركها فيها. تتذكر بعض اللحظات الحميمة بينهم وتُذكره بها عندما وعندما وعندما ... "أتذكر؟" تُحدث بها الصورة وتُقابل بالصمت .. فتتنهد وتصمت متأملة القمر الوحيد مثلها .. نظرت جيدًا لصورة زوجها عَلِّ أقابله فأخبره أن امرأته مخلصة حد الموت لحبه .. أطبع قُبلة على رأسها وأمضي.

هو:
من كان يُلقبه أصدقاء الدراسة بـ"محبوب الفتيات" .. من كان لا يتحرك إلا وحوله سِربٌ غارد من الحسناوات، فماذا حدث؟
حدثت هي ..
كانت تكره كُل ما يُمثله هو .. كُل ما كان يتباهى هو به، كانت تبغضه هي .. فقررت أن تُعلمه معنى أفعاله وتأثيرها على غيره فـ"طباخ السُم لابد وأن يتذوقه يومًا ما" فاقتحمت حياته .. برغبته ..
كان لابد وأن يكون كُل شيء برغبته كي لا تشعر هي بذنب لاحقًا .. هي كانت رغبته هو ..
تململت أمامه من ملاحقته لها وضحكت داخلها من سهولة وقوعه في فخها، هي البعيدة عن دوائره .. ولكنها هي الحياة، الصيد لابد وأن ينفذ فيتجه الصياد لمكان جديد.
بدا وكأن كل شيء يعمل لصالحها، وظيفتها الجديدة في مكان قريب منه، أصدقاء مشتركين بينهما وحفلات وغيره بدأ أن يجمعهما.
ولأنها الحياة، فقد أُعجب الصياد بصعوبة صيدها، إعتبرها التحدي له وإعتبرته الدرس المثالي.
بدأ في إبداء إعجابه بها وتحدث معها عن نفسه وحياته، أشياء كانت تعرفها ولكنه لا يعلم ذلك، بدأت تُنصت في إهتمام وهو يشعر براحة معها فهو يُقدم لها نقاط ضعفه على طبق من ذهب.
إقتربت وإبتعدت ظهرت وإختفت .. حتى تأكدت من أنه لا يقدر على الحياة في بُعدها فبدأت في تنفيذ خطتها. عندما يُفصح لها صراحًة عن حُبه تُخبره صراحًة عن أنها لا تعتبره أكثر من صديق .. فهي مغرمة بشخص أخر.
إحساسه .. نظرة عينه .. نصف إبتسامة مهزومة على وجهه ،، هو كل ما بقي منه معها.
ما عاد يختلط بالحسناوات .. ما عاد يقتنع بأغاني الغرام .. ما عاد ينصت بإهتمام لهن فهن لسن سوا صيدة كسرت صياد ماهر.
لم أدري أربت على قلبه أم رأسه .. أُعنفه على غباء خطواته أم أحنو على جرحه .. لم أستطع تركه ينتظر النهار وحده.
بقيت بجانبه أستمع لكل ما يُحدث نفسه به .. أضحك عند فرحه وأحزن عند دمعه .. هو بحق مثال الرجل المهزوم.
لا تأتي لنا "النساء" فرصة كهذه أبدًا .. لا نرى هذا الجانب أو هم لا يسمحون لنا .. فبقيت روحي معه عساه يؤنس بها .. عساني أقدر على شفاء جرحه بأي طريقة ليدري بأن يمكن أن ينظر لها كتكفير عن ذنبه بحق نساء جُرحن بسببه. لكن ما كان لي أن أفهمه أي شيء وأنا الروح الهائمة .. نظرت للسماء طالبة من الله أن يعطيه فرصة أخرى ليرى الحياة ..

هم:
الوحيدون بهذا العالم .. الأرواح الهائمة .. المنتظرين للمسة حنونة على قلوبهم حتى تهدأ جراحها.
هم:
من أنتمي إليهم .. من أفهم وحدتهم وتوحدهم فيها بكل طقوسها .. 
نحن:
من نُرفه عن أرواحنا بطريقتنا ..


ساره عاشور

هناك 5 تعليقات:

  1. جامدة

    بدأنا نقرب من كتابة قصة :D

    ردحذف
  2. الله يا سارة جميل بجد تسلم إيدك
    وصغك للشخصيات رائع و النهاية بديعه

    كلنا ننتمي لهم ولو لبعض لحظات

    من إبداع لإبداع دائماً
    :)

    ردحذف
  3. حلوه اقوي ياساره عايزين كمان :)

    ردحذف
  4. سيدتى ..اعتقد أننى أرى فيها لمحات من رواية العبرات للمنفلطوى ..استاذ اساتيذ الرومانسية السحرية..وان لم تكونى قد التقيتها ..فدعينى انول شرف تقديم المشورة بقراءة رواية المنفلوطى باسم .العبرات.والتى بدأها ب
    إِهْدَاء

    اَلْأَشْقِيَاء فِي اَلدُّنْيَا كَثِير وَلَيْسَ فِي اِسْتِطَاعَة بَائِس مِثْلِي أَنْ يَمْحُو شَيْئًا

    مِنْ بُؤْسهمْ وَشَقَائِهِمْ فَلَا أَقَلّ مِنْ أَنْ أَسْكُب بَيْن أَيْدِيهمْ هَذِهِ اَلْعَبَرَات , عَلَّهمْ

    يَجِدُونَ فِي بُكَائِي عَلَيْهِمْ تَعْزِيَة وَسَلْوَى ,


    مُصْطَفَى لُطْفِيّ اَلْمَنْفَلُوطِيّ

    ردحذف
  5. قمه فى الرومانسيه و الابداع تسلم ايدك

    ردحذف