الأحد، 22 يوليو 2012

نصف الكوب الفارغ


"هو حظي السييء الذي لازمني طوال سنوات عمري. كل ما أردته خسرته بسبب حظي هذا، فشلت في تعليمي وسبقتني الفتيات الأصغر في التخرج ثم الزواج. تعثرت في إيجاد عمل. وموضوع الزواج هذا يحتاج لأيام لأشرح لكِ مدى سوء الحظ الذي يُلازمني."
قالت لصديقتها وهي تُسمعها بعض الأغاني لتُرفه عنها قليلاً ثم استطردت "أنا وحظي السييء .. كأنا وخيالي هذا." وأشارت لخيالها على الأرض.
نظرت لها صديقتها وعادت تنظر لهاتفها بحثاً عن أغنية أخرى.
فقالت "من أحببت لسنوات وكان بيننا اتفاق على كل شيء، ثم عندما جاء لأهلي للتقدم بطلب يدي رسمياً، تعقدت الأمور على أشياء تافهة !"
"كنت أظن أني في هذا السن الآن، سأكون بمنزله وسط عائلتي الصغيرة التي كونتها معه، معنا أطفالنا، نقرأ لهم كل ليلة كي يكونوا مثلنا مُحبين للقراءة .. أجلس في الكرسي الهزاز في غرفتي وطفلي بين يدي والكتاب معي واقرأ له. ثم ألمحه بطرف عيني يقف عند باب الغرفة وهو يعقد يديه على صدره وينظر لي مبتسم فأتظاهر بالإنشغال وعدم رؤيته، يتقدم منا يضع قبلة على رأس الطفل ثم قبلة يُريد أن تكوني على شفتي فأدير رأسي فتطبع على خدي .. ونضحك."
قالت صديقتها "هذه الأغنية جميلة .. استمعي لها."
أخذت منها السماعة وابتسمت لما عرفت الأغنية، قالت "كُنا نُحب هذه الأغنية كثيراً." وتنهدت وجلست تستمع في هدوء.
نظرت لها صديقتها تستفهم هل انتهت وصلة الرثاء النفسي أم هناك مزيد وصمتت لتدعها تُفرغ شُحنتها.
عندما انتهت الأغنية حدقت في الفراغ وقالت "هل يتذكرني؟"
ثم نظرت لصديقتها وقالت "هل تعتقدي أنه تزوج؟
أمازال يُحبني كما أحبه؟
ليتني أعلم أو أجد أي طريق له لأسأل عن ذكرياتي بقيت معه أن تراه نفضها عن كاهل عمره !"
أعادت صديقتها اصطناع التركيز في الهاتف والأغاني.
عادت لتقول "أنا سيئة الحظ، ما بقى شيء يُرافقني بإخلاص طوال عمري كسوء حظي هذا." وارتسمت نظرة حزن شديدة على وجهها.
تركت صديقتها الهاتف والتفتت لها وقالت "أنتِ سيئة الحظ يمكن أن يكون هذا صحيح ولكن هل فكرتِ من قبل أنه يمكن أن تكونِ تسعين خلف ما هو ليس لكِ؟!
ألا تعلمين أن ما ليس لكِ لن تناليه وإن كان سهل المنال !
ثم هل فكرتِ سوء حظك هذا ماذا منع عنكِ؟!
سمعتي قصة الرجل الذي كان يجلس أغلب أيامه ينعى سوء حظه وذات يوم وهو ذاهب للتقدم لوظيفة وكان متأخراً قليلاً وفاته المصعد واضطر لإستخدام السُلم وبقى طول طريقه يتغنى بسوء الحظ الذي يُرافقه ثم ما إن وصل للطابق الذي يُريده علم أن المصعد الذي فاته قد هوى بمن فيه !!
سوء حظك يُمكن أن يَحميكِ من أخطار كثيرة ولكنكِ تبقين تنظرين لما ضاع منك ولا تنظرين لما بقى منكِ معكِ .. يوجد نصف كوب فارغ ولكن هناك نصف ممتليء أيضاً يُكمل هذا الفراغ."
نظرت لها وبعينيها لمعت إكتشاف كنز جديد وقالت لها "من حُسن حظي أنكِ نجوتي من سوء حظي."
وضحكوا ...


ساره عاشور

هناك تعليق واحد:

  1. جميلة جدا القصة يا سارة،ربما كلمات صديقتها تلك هي الحقيقة و قد تمثل لها نقطة النور التي تغير كل تفكيرها، دوما قد ننعي حظنا بكاءا و نحيبا على ما فقدناه و ربما لم يخطر على بالنا انه من الأساس ربما لم يكن لنا،و الأهم اننا لا نتحول للجانب الأخر فقد نجد الكثير و الكثير الذي نملكه و لكننا فقط غافلون عنه..
    رمضان كريم،و تقبل الله منا و منكم

    ردحذف