السبت، 11 أغسطس 2012

سر



هل تستطيع كتمان سر؟
هو شيء لم أجرأ على أن أحدث أحد به من قبل .. لا أعرف من يستطيع تقبل هذا بسهولة.

كنت أجلس ذات يوم وحيدة أراقبهم حولي ثم التقطت حديث دائر بين امرأة عجوز وشاب، يتحدثان في أمور الحياة. كانت تشكو له من أولادها وكيف أنهم لا يتابعون أمور حياتهم جيداً ويثقلونها بأمنياتهم لرجوعها إليهم.

استغربت حالها، كم من أم أو أب هذه اليوم يتمنون لو فقط سأل عنهم أولادهم ما بالك بطلبهم أن يكونوا معاً.

هز الشاب رأسه في أسى وقال لها أنا لا يطلبني أحد !
ولا يتمناني أحد ..
ربتت السيدة على كتفه وواسته، قالت له إن ذلك الآن أفضل  له فهو لا يعلم هذه النعمة التي هو فيها ألا يكون أحد يُمسك بك ويمنعك عن استكمال طريقك. قالت: لا يستطيعون الاستمرار ويقفون هكذا في بلاهة في المنتصف مصدومين، لا يتحركون ولا يتحدثون وينظرون في الهواء منتظرين رؤيتنا مرة أخرى .. من يذهب لا يعود ولا يجوز لهم التشبث بنا.
فقال لها الشاب: وأنتِ أيضاً لا تعلمين النعمة التي تملكين، تجدين من ينادي باسمك، من يحمل اسم عائلتك بعدك، من يتشبث ويحملك في قلبه.
في ركن أخر كان رجل يودع طفل صغير، الأطفال ملائكة الجنة لا يبقون كثيراً هنا.
أحسهم مختلفون، رجال ونساء. كبار السن وشباب. وكلهم يحدثون بعضهم عن مشاكلهم ومشاكل من تركوهم خلفهم. ولا أحد فيهم يذكر أو يتحدث عن ما جاء به إلى هنا.
ولكنهم راضون .. ما يميزهم حقاً أنهم راضون ويتمنون لنا نعمة الرضا هذه.

نظرت لهما مباشرة ونظروا لي ولم يرى أياً منا الأخر .. لا يسمعوني ولا أسمع منهم أصوات فقط أسمعهم بقلبي ..

التائهون حولي يملئون فراغ غرفتي .. فأدعو الله ألا يتوقف أحد عن التشبث بهم حتى لا يبقى الفراغ فراغاً !

أرواحهم هنا بسبب من لا يستطيعون تركهم يذهبون في سلام.
من يتعلق ببقاياهم وأشيائهم ويتمسّك بهم. يتشبثون بهم في منتصف طريقهم للحياة الأخرى ..
فيعلقون هنا هائمين ..

أتعلم أنهم ليسوا أشرار كم يعتقد البعض ولا هم هنا ليؤذوننا بل هم يترجونهم أن يتركونهم يذهبون دون أن تثقلهم هذه الذكريات كمن يحاول السباحة لأعلى فيما أحجار معلقة بقدميه .. فيفشل وفي النهاية يستسلم ليبقى .. هكذا هم.

الآن، هل حقاً تستطيع كتمان السر؟



هناك تعليقان (2):