الخميس، 4 أكتوبر 2012

أرق



حتماً حدّثوك كثيراً عن فنجان القهوة الرفيق المثالي في حالات الأرق، وصفوا لك تفصيلياً كل شيء به لونه وطعمه حتى عدد حبات السكر الذائبة به والتي يُمكن تذوقها في كل رشفة.
حكوا لك عن من يؤرقهم، قصص الغرام التي غالباً ما تكون من طرف واحد يسهر ليله بصحبة قهوته والطرف الأخر يصاحب الأرز مع الملائكة.

لكن ..


هل حدّثك أحد عن قضائه يومه بعقل شبه متوقف ثم ما يلبث أن تعمل ماكيناته بكامل طاقتها ما أن يحل التعب على جسده؟
قال لك أي شخص عن الأسباب الحقيقية وراء أرقه دون أن يترك كل ذلك جانباً ليصف لك فنجانه؟

باصبع واحد فقط كنت ألملم حبات السكر الساقطة بجانب كوب النسكافيه، ملمسها الخشن على الجلد يولّد احساس غريب يؤدي لمزيد من الأفكار في عقلي.
لن أحكي لك عن قهوتي فأنا لا أشربها من الأساس ولن أتحدث عن أحوال قلبي.
بل سأقول لك أن بهذه اللحظة الآن لا يمر بعقلي فكرة واحدة ثابتة عن شيء واحد بل مجرد أفكار ناقصة عن أشياء عديدة، كلمة واحدة بفكرة كفيلة بأن تبدأ فكرة جديدة وهكذا تستمر سلسلة الأرق في العمل.

عدد النجوم بالسماء غير كامل في المشهد، لا أعدّ النجوم فلم نعد نراها لنعدّها. يشغلني اختفاؤها عن السماء فأتذكر أخر مرة كنت أرى أعداد غير قليلة منها تتلألأ في السماء ولكن هذا مرتبط في عقلي بالبحر، لا يوجد نجوم سوى بجانب البحر فهي تؤنس من يسافر فيه.
ثم لا راحة سوى على شاطيء البحر إذن لا نجوم إلا على شاطيء البحر.
لا راحة إلا على شاطيء البحر، ولما يتميز هو عندي عن أي مكان أخر بذلك؟
فأتذكر أول مرة سمعت صوت الموج الذي حسبته غاضبٌ عليَّ فجعلني أدمع وألجأ للأوراق، أحاول أن أتذكر ما كتبت ولكني أفشل دائماً في تذكر ما أريد.
لماذا أفشل في تذكر ما أريد؟ أبدو أحياناً كمن أصيب بحالة مبكرة من الزهايمر، الموضوع ضخم بالنسبة لي ولكنه طبيعي بالنسبة للأخرين ولكني لا أحيا في جلد الأخرين إذن هو موضوع ضخم بالفعل.

لماذا أكتب في الأساس ما يدور بعقلي؟ ولكن لأعترف هذا ليس كل ما يدور بعقلي هي فقط لمحات، أعتبره كخزانة مغلقة وليس لها سوى مفتاحان فقط كقلبي تماماً ولكن أكبر وأهم.

ماذا تريد أن تعرف عني؟
أنا أعشق اللون الأحمر.

تعلم أن حبات السكر الشاردة عن مسارها الطبيعي إلى الكوب هذه أحياناً أرى فيها التمرد، أعلم أنها لا تملك عقل بالطبع ولكن ماذا لو كانت لا تحب النسكافيه !

هل جربت أن تشغل نفسك بأشياء قد تعدّها في الأيام العادية تافهة ولكن فقط كي تريح رأسك قليلاً من التفكير في أشياء إن حدثت بها أحد قد يتهمك ببساطة وتأكد أنك فعلاً مجنون !
مثلاً إلى ماذا تغير أغنية هاتفك النقال، في بعض الأيام يكون هذا الموضوع هو الأهم، يُصبح مشكلة جادة ومصيرية كمجاعة الصومال !
هل تشغل بالك بالصوماليين؟ ماذا يفعل أياً منهم في هذه اللحظة بالظبط الآن وأنت تهدر حبات سكر في اللعب بها أو يمكن كما أفعل أحياناً بتقديمها للنمل حتى لا يموت جوعاً في الشتاء.

أنا سأحاسب عن كل روح تزهق في الكون وأنا أجلس هنا أفكر لماذا لا أستطيع أن أكتب !
اممم .. ربما لأني أحمل الكون على كتفي فأصبحت المهمة أصعب على أصابعي، ضغط أعصاب أو عضلات.
هل رأيت ماذا فعلت هنا؟ أحلت المشكلة النفسية إلي عضلية وأنهيت الموضوع.

هل قلت لك أن النسكافيه هو الرفيق الأمثل للأرق وأن حبات السكر هذه لا تُحب النسكافيه بالفعل وأن النجوم لا تذوب وأن البحر بالفعل غاضب عليَّ دون سبب واضح -بالنسبة لي على الأقل- وأن النمل بدا لي أنه قد أصابه الملل من أكل السُكر ولكني أخشى عليه إدمان النسكافيه ثم يجلس للأرق وهو يفكر لماذا لم نعد نتركه بحاله وهل فعلاً نضغط على البشر ليموتون بسهولة كما نضغط عليه !


ساره عاشور

هناك تعليقان (2):

  1. وهل فعلآآآ علينا أن نضغط ع البشر ليموتون بسهوله كما نضغط عليه !!!
    نضغط ع أنفسنا حتى نميتهم بداخلنا حتى نميت بقاياهم التى تبقت داخلنا وتؤرق مضجعنا فى كثير من الليالى تلك البقايا التى ليتها رحلت معهم لكن النمل فهو كمايعشق السكر ويبحث عنه لم يذينا كما اذتنا تلك البقايا منهم فليبقى النمل يحيى مع السكر ولترحل بقاياهم الى قبورهم
    تحياتى لكى ياساره بجد جميله أووووووووووووى

    ردحذف
  2. حسيت بمجموعة مشاعر متناقضة و متداخلة أحسست بما أردتِ أن تعبي عنه حقا ..حالة من الاختلاط و التشوش -أظنها كذلك -

    دعيني أخبرك أننى بعد قراءتي لتلك الحروف العميقة الغامضة أريد أقرأ شيئا أكثر بساطة بكثييير حتى استعيد توازنى ههههههه !

    تسلمي غاليتي

    تحياتي لقلبك

    ردحذف