الأحد، 14 يوليو 2013

حضن



"لكل انسان تقريبًا لعنة تطارده يعتقد بداخله أو يدرب نفسه على الاعتقاد أنها شيء جيد ولكنها في الحقيقة تضره كثيرًا كلما ظهرت، مثلًا كالطيبة الزائدة أو الحنان الزائد أو الصبر وأنا لعنتي الصبر ..
اصبر كثيرًا وانتظر ..
بستنى حاجات أنا عارفة كويس أنها مش جاية مع أنه المفروض أنها حاجات عادية وعادي تيجي زي مثلًا لما تقعد على محطة القطر تستناه وأنت عارف أنه له ميعاد يجي فيه بس عشان أنت بلعنتك مستنيه مابيجيش وأوقات بزيادة لحمل الضيق جواك بتحس بالذنب ناحية كل اللي كانوا مستنيين القطر معاك لأنك بتحس أنك أنت السبب .. حمل تقيل مش كده؟"

كانت تحكي وهي تنظر لفنجان القهوة أمامها ولا تشرب منها، الطلب الرابع تقريبًا من القهوة التي تطلبها لتجلس تنظر لها وتلاعب الفنجان بأصابعها ولا تشربها ثم تعيد طلبها عندما تلاحظ برودتها.
لم أتفاجئ باتصالها فكل مرة أرى رقمها يضيء شاشة هاتفي كنت أعلم أنها بمشكلة وأنه تريد استعارة أذني وربما كتفي وصدري فهذا ما اعتدت عليه منها .. كما تحدثت لكل منا لعنته وأنا لعنتي هي ..

"عارف لما تبقى لعنتك أنك تستنى لأنك صبور حبتين؟"

بدأت ألاحظ شدة أعصابها من حركات يديها في الهواء وفكرت أن أحتضنهما بين يداي لدقائق أو ساعات حسبما يسمح الوقت كي أبث بها بضع طمأنينة ..

"أنا بستنى وأنا عارفة أن صبري ممكن ينتهي ويمكن بقيت بستنى بس عشان أخلص صبري ماهو أكيد له أخر زي أي حاجة في الدنيا وأنا عاوزة أجيب أخره .. ازاي استنى ترقية تجيلي وأنا عارفة أنها هتروح لحد تاني لمجرد أنها كانت جاية ليا أنا فأكيد مش هتوصل .. تفتكر ممكن يكون لعنتي هي الحظ الوحش مش الصبر زي منا مفكرة؟"

هنا ارتفعت عيناها عن الفنجان وهدأت حركة يداها ثم تعلقت كل أعصاب وجهها بانتظار ما سيخرج من فمي .. مجرد تعلق عيناها بوجهي هكذا سيربك الكلمات ولكن أنا هنا كي أطمئنها، وظيفتي بحياتها هو طمأنتها قبل أن تصل لمرحلة الانهيار كطوق النجاة الذي تلقي به لأي غريق كي لا يبتلعه البحر.
أنا طوق نجاتها لأعوام وأؤدي مهمتي بنجاح في كل مرة فلا يوجد أحد يملك التحكم بهذا الجانب منها سواي، ربما لعنة الانتظار هي لعنتي أنا !
قولت لتلك المعلقة بكافة حواسها بما سأنطق به أنها يجب أن تنظر لكل الجوانب الايجابية وأن تتوقف عن التعلق بكل ما هو سلبي وإلا ستقضي عليها تلك السلبية العصبية.
نظرت نحوي بعدم اقتناع وعادت تنظر للفنجان ولكن بأعصاب اهدأ، أستطيع أن أبوح لها هنا بكل ما بداخلي. ألقيه أمامها دفعة واحدة كما تفعل هي في كل مرة تلتقي بي وتلقى على أكتافي كل ما يعتمل بداخلها.
أبوح ولكن ربما لا تقبلني وتنتهي علاقتنا هنا ! من إذن سيتمكن من تهدئة روعها في المرة المقبلة التي تكون فيها على شفا اكتئاب، من سيملك مفتاح جذبها لتبتعد عن ذلك الشبح الكئيب الذي يحوم حولها كثيرًا بكل تلك الطاقة السلبية !
وربما أيضًا يكون الحل في ابعاد ذلك الشبح نهائيًا هو اقترابي أنا نهائيًا !

"أنت عارف أن كل مرة بقعد فيها معاك بحس أنك بتعملي حاجة زي السحر كده، أنا بجيلك وكل هم الدنيا في وشي وبعدين أقعد معاك شوية وممكن تقولي كلام سمعته من قبل ما أشوفك على طول من ناس تانية لكن منك أنت دايمًا بيبقى مختلف، تعرف أنك فعلًا وتقريبًا أهم شخص في حياتي؟ زي ما يكون واحنا سوا مفيش لعنات أو واحنا سوا بنحل اللعنات دي، أن انتظاري هينتهي بحاجة كويسة مرة فيبقى بعد كده كل انتظار أخره كويس. أصل أوقات بتبقى الحاجات دي كده زي الخيط اللي تشده فيكر وراه كل اخواته."

لم يدر هل كلماتها تعني ما كان يفكر فيه فعلًا، هل أعطته للتو الضوء الأخضر كي يتقدم وينهي لعنته ولعنتها بحضنٍ واحد؟
أم هي مجرد فضفضة أخرى منها لا تعني شيئًا سوا إزالة هذه الأفكار والكلمات عن كاهلها.

"مش عارفة أنا بستناك بجد ولا أنا بستنى مني أنا خطوة واضحة ناحيتك !"

أذهلته هذه الجملة فعقد لسانه وجلس ينظر لوجهها ويتأمل لغة جسدها ليتأكد أنها تعني ما تقول حقًا وليست في حالة سُكرة الكلام التي تنتابها فكم من مرة تعلقت آماله بمجرد ازاحتها لبضع كلمات عن خاطرها.

صمتا لدقائق ثم عادت لتكمل.

"أنا عارفة أن كل واحد بيبقى محتاج لحد في حياته يتسند عليه ويبقى له الأمان والحضن اللي بيجري له والحقيقة أني مهما حاولت أداري ده أو أنكره مفيش في حياتي أي شخص بيمثل الأمان غيرك"

وارتبكت يداها وتلعثم قلبه.

"في كل مرة بشوفك وأفضفض معاك بيبقى دايمًا أخر حاجة عاوزة أعملها أني اترمي في حضنك بس دايمًا برجع عن الفكرة دي أو بلغي الاحساس ده من أساسه لأني معنديش أي فكرة واضحة عن مشاعري ناحيتك وأنت عارف أنا مقدرش أخد خطوة وأنا مش متأكدة من الخطوة اللي جاية بعدها."

حاول أن يُحدثها بكل ما كان يفكر فيه وفي ضرورة أن تسكن بين ذراعيه الآن ولكنه نسي الكلمات وظل فقط يحفر ملامحها في هذه اللحظة في عقله وذكرياته فهي لحظة يجب أن تُخلد.

"أنت عارف الحضن مهم قد ايه؟ عارف يعني ايه يبقى قلوبنا بتسمع بعض الدقة بالدقة ونفسنا بيحاول يكون الداخل والخارج في وقت واحد وكأنه اكسير الحياة اللي لو متظبطش على بعضه هتموت؟
فتحت الايد نفسها وأن الأمان معروض في الحضن ده وأنت يا يتلاقيه وليفك يا تلاقي نفسك بتاخد حضن غيرك فتحس على طول بعدم راحة زي ما تحاول تدخل مثلث جوة دايرة في لعب الأطفال كده، عارف لعب الأطفال دي؟ أهو الحضن بقى بيبقى الدايرة جوة الدايرة والمثلث جوة المثلث وأنا عارف أن أنا وأنت دواير بس أنا بكابر.
أو يمكن خوف لو لعنتي ماتحلتش بوجودي معاك هنقعد نستنى جنب بعض حاجة وحياة مش هتيجي !
وأنا ليه أعطل حياتك جنبي ! ما الدواير ممكن يبقى فيه منها نسخ تانية، هي أه نسخة بس ما يمكن أكون أنا نسخة أصلًا من أنا الأصل اللي هو بتاعك. عارف التفكير متعب ازاي، بقالي كتير كنت عاوزة ..... "

قاطعها هنا عن استكمال حديثها وجذبها نحو صدره ولف ذراعيه حولها وصمتا سويًا كي يسمحا لأنفاسهما بأن تضبط الايقاعات سويًا.

هناك 5 تعليقات: