الاثنين، 2 يوليو 2012

تمرُد


لم يوافق والديه أبداً على عمله بالمسرح، بعد كل هذه الأعوام في دراسة الهندسة تترك كل هذا من أجل ان تكون "مشخصاتي" ضحك من التعبير وقال لهم لا يوجد أي مسمى وظيفي كهذا الآن، انزعجوا من استهتاره بهم. قال له والده أن هناك وظيفة مرموقة تنتظرك ان تعلم ذلك. فرد بأنه يعلم ويعلم رغبتهم في أن يفخروا به على طريقتهم ولكن لما لا يفخرون به عندما يتألق في المجال الذي يحبه؟
صمتوا ..
ذهب لغرفته وأغلق بابه وجلس يستمع للأغاني بصوت عالي كأنه يريد أن تغطي على صوت أفكاره أو أفكارهم التي تطارده. حاول أن ينام ولكن بلا فائدة، كان يتوقع منهم أن يفهموا أنه كان لابد أن يأتي وقت ويُطالب بأن يحيا حياته لكنه كان فقط مبكراً ليس أكثر. توصل إلى حل اعتبره وسطي سيُكمل دراسته بالهندسة وسيلتحق بأحد فرق المسرح "نعم هذا هو أفضل الحلول الآن، سأحاول أن أرضي والديي".
استسلم للنوم أخيراً بعد أن توصل لحل.
في الصباح، أخبرهم بحله فلم يعجبهم، لا يرضون بأن يُملي هو كيف يعيش حياته كيف يكون هذا؟ ما موقعهم هم في الحياة إن بدأ بفعل هذا من الآن؟
ولكن أمام إصراره وافقوا .. فقط الآن ولنرى ..

تذكر كل هذا وهو يصعد على المسرح للمرة الأخيرة، نظر في المرآة وابتسم وهو يتحسس التجاعيد التي ملأت وجهه.
أغمض عينيه ليذهب لأول مرة اعتلى فيها المسرح، ربكته أمام كثرة الجمهور والعيون المحدقة به وهو يتصبب عرقاً يحاول تذكر جملته. السعادة التي سرت بجسده عند تصفيق الجمهور في نهاية المسرحية لم يكن دوره كبيراً أو مؤثراً لكنه شارك في هذا العمل إذاً جزء من هذا التصفيق له. وانتشى ..
أخرجه من ذكرياته صوت يناديه بأن حان وقت إعتلاء المسرح، تحامل على جسده وذهب، كل خطوة يشعر أنها تذهب به إلى المجهول فهو لا يعلم حياة غير هذا المسرح. ماذا سيفعل بساعات يومه !

كلما إقترب وسمع صوت الجمهور أحس بالضيق، تعجب أنه يشعر عكس شعوره أول مرة. إنها الحياة فلن تشعر في بداية شيء كشعورك في نهايته وإلا لما سُميَّ "إنتهاء".

صعد على خشبة المسرح ولكنه لم يرى أي جمهور، يسمعهم ولكنه لا يراهم. حاول التدقيق بنظره ولكن لا فائدة. تنهد واستسلم للأمر وبدأ في عرضه. راح وجاء وتحدث وتعصب وهدأ وسَعَد وحَزن ثم إنتهى ..
وقف في وسط خشبة المسرح كمن نفذت منه مشاعره .. طوال سنوات عمله استُنزِفت منه.
وضع يديه خلف ظهره ليُحيي جمهوره الذي لم يراه .. انحني إنحناءة متثاقلة ووقف وابتسم وبعث بتحية في الهواء للكراسي الفارغة أمامه ثم عاد لغرفته ومازال صوت التصفيق يملأ أذنه ولكن بلا صورة.

عاد لمرآته يتأمل ملامحه .. كَبِرت وهدأ تمردك.


ساره عاشور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق