الجمعة، 6 يوليو 2012

دخان .. نار


نظرت في المرآة وجدت خطوط سوداء تنزل من عينها مع دموعها فتذكرت أنها كانت لاتزال تضع الماسكارا "ياالله أبدو كالساحرات الشريرات في أفلام هوليوود" وحاولت أن تبتسم وسط دموعها. التقطت المنديل وبدأت في إزالة أثار الإعصار النفسي الذي عصف بها.

كانت تجلس في بلكونتها مع كوب شاي وعلبة سجائر. تُدخن بشراهة حين تسحبها دوامة الأفكار. حتى أوقفتها فكرة "سأموت وحيدة"

وانهارت في البكاء.

بعد أن قامت بتنظيف وجهها جيداً نظرت لنفسها مرة أخرى. "ماذا ينقصني؟ أنا امرأة ناجحة في كل شيء أفعله ! لي منصب جيد في البنك وعندي شقة في مكان مميز و .. و .." ثم توقفت "لماذا لا أتحدث سوى عن المال !"
سنين طويلة وهي تبحث عن شريك الحياة المناسب لها ولكن لا أحد يعجبها، إن كان مناسب مادياً لم يكن مناسب إجتماعياً وإن كان مناسب إجتماعياً كان ذو ثقافة ضحلة وإن كان مثقف فهو يفتقد للمال.
دائرة مفرغة وضعت نفسها بها طوال سنوات وهي تعمل على تنفيذ نصائح والدتها .. سنوات تحاول إرضاء والدتها والمجتمع من حولها بأن تسير على كل نصائحهم .. سنوات ونسيت كيف تبحث عن الشخص المناسب دون هذي النصائح التي أصبحت قوانين بالنسبة لها لا يجب خرقها.

سنوات تعيش من أجل إرضاءهم ونسيت إرضاء نفسها.

ضحكت عندما تذكرت قصة جحا وحماره "لماذا يقصون علينا هذه الحكايات إن لم يريدون أن نتعلم منها ونعمل بها !"

رجعت لبلكونتها لسجائرها، تُحب التدخين في الظلام تضع السيجارة في فمها وتنظر لنارها وهي تشتعل "أهي نار السيجارة أم هي ناري؟" وتنفث الدخان في الهواء بعصبية.

"سأموت وحيدة"

الجملة الوحيدة التي تُنير في رأسها كلما أنارت سيجارتها. وتنفث الدخان في محاولة لإخراج هذه الجملة معها ولكنها تعود مع إتقاد النار.

"سأموت وحيدة"

"علّمتني والدتي أن أتفوق في كل شيء إلا التصرف كأنثى .. هاأنا ذا أُدخن كالرجال."

"سأموت وحيدة"

"هذي السيجارة بنارها تُحرق أكثر مما تُطفأ بداخلي."

"سأموت وحيدة"

قال لي والدي يوماً "أمك لا تعرف نتيجة نصائحها لا تستمعي لها، هي فقط تحفظها لم تعمل بها يوماً .. لم نتزوج كما قالت لك عندما رأت إننا متناسبين مادياً وإجتماعياً وثقافياً. كانت قصة حب ولكن لا أدري لماذا لا تُريد أن تعترف لكِ بذلك !"

"سأموت وحيدة"

"لم تدافع عني يا أبي !"

نفثت أخر دخان بسيجارتها وهي تُراقب النار التي تنطفأ ولكن نارها لا تنطفأ معها. مدت يدها لتُشعل أخرى ثم توقفت ..

"سأُقلع عن التدخين"

"سامحيني ياأمي .. سأصير كالإناث بضعفهن، سأقع في حُب أحدهم ولن أموت وحيدة."

واطفأت أخر سيجارة لها.


ساره عاشور

هناك تعليقان (2):

  1. كالعادة ...أسلوب اكثر من رائع..أفكار غير تقليدية..رغم أنه قد يختلف البعض مع النهاية والقرار ..إلا اننى أحب القرار والمضى فيه قدما أكثر من التردد المميت القاتل البطئ

    ردحذف
  2. التردد مؤلم وصعب أوى اننا ننسى أن نرضى أنفسنا علشان نرضى غيرنا وفى النهاية بنتألم جدا

    رووعة كالعادة

    ردحذف