الأربعاء، 22 أغسطس 2012

تحقيق



أمسك كوب الماء أمامه، نظر بداخله لحركة الماء وهو يرفعه إلى فمه. ثم رشف منه قليلاً وابتلعه بصعوبة. ثم أعاد الكوب إلى الطاولة أمامه.

أعاد النظر إلى بقع الدم المتجلطة على يديه وهو يُقلبهما في الهواء ويرفعهما لتكون بنفس مستوى عينه. أنزلهما وتعلق نظره بمن ظهر من خلف يديه يجلس أمامه وهو ينظر له نظرة متفحصة ينتظر منه أن يعترف بجريمته، التي لم يفعلها.
ويُعلن عن مكان الجثث، الذي لا يعرفه.
ليتم اغلاق القضية، التي ربما لن تُغلق لفترة إذا لم يعترف هو لذاك الظابط الرابض بتحفز هنا.

" شاب بالـ 35 من العمر، طوله 175سم ووزنه 80 كجم. شعره أسود مليئ بالتراب وما يبدو أنه أثار من شحم ربما يكون عامل بورشة لتصليح السيارات. يلبس قميص أبيض ممزق عند الصدر ولكنه ما عاد يملك ذلك اللون الآن بعد الدماء، بنطال يبدو رمادياً فلا يُعرف لونه في الأصل. يدان ملطختان بالدماء وبعض خدوش على يديه عند الزُند فيما يبدو أنها جراح دفاعية من الضحية. وتم استخلاص بقايا جلدية من تحت أظافره.
يوجد علامات أصابع دامية على وجهه ..

جاري التحقق من الدماء إن كانت له أم للضحية وتم أخذ عينة لفحصها للتأكد إن كان هناك مواد مُخدرة بجسده.

ولكن يبدو عليه بعض تشتت في الأفكار وفجوات زمنية في ذاكرته، يمكن أن يرجع هذا للمواد المُخدرة أو يُمكن أن تكون الصدمة .. الاختبار حتماً سيؤكد لنا."

كان يراجع الظابط كلمات الطبيب الشرعي في عقله ليحاول أن يفهم المتهم الذي أمامه، هل هو حقاً واقع تحت تأثير مادة ما مُخدرة أم هو مصدوم لما حدث !

نظر له نظرات جوفاء محاولاً ألا يُبدي على وجهه أياً مما يدور بعقله، فلا يجب على أي محقق بارع في عمله أن يكشف أوراقه لمن أمامه حتى ينتزع منه ما يُريد من معلومات.

الظابط هذا كان مختلفاً عن باقي أصدقائه بشعبة التحقيقات الجنائية، لم يكن يُحب انتزاع أي اعترافات تحت ضغط أو تعذيب. لا يرى بذلك أي مٌتعة له ولن يشعر بأي انجاز ففي ذلك سهولة بالغة وهو يُحب التحديات.

يَسعد كثيراً بُكل قضية يتم اغلاقها بمعرفة الجاني أو الجناة وبمجهوداته التي أتت بثمارها.

رجع المتهم برأسه للوراء قليلاً نظر لسقف الغرفة الرمادي ثم أغلق عينه للحظات.

لم أفعل شيء .. قال للظابط وهو يعود بنظره إليه واستطرد: لم أقتل أياً منهم، لا أتذكر ماذا حدث ولا ما أتى بي إلى هناك ولكني لم أقتل. ليس لدي القدرة على ذلك. ثم ضحك وهو يقول: شكلي يوحي بغير ذلك، أكيد هذا ما يدور بعقلك الآن. ونظر بعينه مباشرة وراعى ألا يتحداه وقال: لم أقتل ولن أعترف بشئ لم أفعله ولن تُجبرني ..

فابتسم الظابط وقال له: اطمئن لا أتبع ذلك الأسلوب، سأعرف ما أريد دون لمسك.

ابتسم باستهزاء وهو يرد عليه: كلكم متشابهون، تأتون بنا من الأحياء الفقيرة كي "نشيل الليلة" حتى تُكملون العدد المناسب من القضايا المُغلقة. ضغوط وتعذيب ويهناك من يقتل وهو محتجز وهناك ..

قاطعه الظابط قائلاً: لا أطلب منك احصائيات أو بحث اجتماعي ، أعرف كل هذه الأشياء فأنا أعمل هنا إن كنت نسيت وابتسم بتحدي وهو يعقد يديه على صدره أمامه ويرجع بظهره ليسنده على ظهر كرسيه.

سادت لحظات صمت قليلة قطعها صوت طرقات على باب الغرفة، فصرخ الظابط: ادخل !
فُتح الباب ودخل عسكري قصير نحيل يمشي وهو ينظر لقدميه ثم وقف أمام الظابط الذي يكاد يُحرقه بنظراته المغتاظة ثم أدى له التحية وقدم له أوراق وقال: الطبيب الشرعي بعث لك بهذا الملف سيدي. وسلمه الملف وأدار ظهره وأسرع خارجاً والباب خلفه.

اعتدل الظابط في جلسته ووضع أمامه الملف وبقى ينظر له بعناية واهتمام بالغين أنسته الماثل أمامه غارقاً في الرعب الآن مما قد يكون بهذه الأوراق ..
قَلب الأوراق وهو يهز رأسه باهتمام ثم نظر للمتهم نظرة خاطفة محاولاً أن يستشفي ردة فعله ووجدها كما توقع، عيناه معلقتان بالأوراق ويبدو على وجهه خليط من الترقب والرعب.
عاد بنظره للأوراق ثم فجأة سأله:هل لك أية أعداء؟
بدى الذهول على وجه المتهم وأجابه بالنفي.
فهز الظابط رأسه ثم قال: ولازلت لا تتذكر ماذا حدث؟
فهز المتهم رأسه بالايجاب وهو يبتلع ريقه.
فعاد الظابط للأوراق أمامه وقال للمتهم: هذا تصوري لما حدث بناءاً على هذه المعلومات أمامي و دون أي افادة منك.

في عصر ذلك اليوم كنت بعملك، جائتك مكالمة مجهولة تبلغك بخبر هام يتوجب عليك معه أن تذهب للمنزل فوراً، فتركت كل ما بيدك وذهبت لتجد المنزل مبعثر كما رأيناه وعندما ناديت بأسماء عائلتك لم يُجبك أحد فذهبت تفتش في الغرف كلها وكلما فتحت غرفة وجدت بها دماء ولا أحد. وحضرنا نحن بنفس الوقت الذي كنت فيه أنت بأحد الغرف.

تصور معقول؟ سأله الظابط.
فلم يُجبه المتهم بأي شيء.

فقرأ عليه الظابط فقرة من الورق أمامه: بعد فحص الملابس الدامية التي كان يلبسها المتهم وجد أنها خليط مختلف من دماء العائلة فكلها بينها صفات وراثية مشتركة وهذه البقع لا يمكن ان تكون قد انتقلت لملابسه بهذا الشكل بمجرد احتكاكه ببقع دماء بل هي ناتجة من النفجار شرياني من مكان قريب. والبقايا الجلدية تحت أظافره كانت صفاتها الوراثية مشتركة في أكثر من مكان وهي لمؤنث مما يُوحي أنها لوالدته. الخدوش على يديه هي بالطبع دفاعية ولم يكن بها أي مواد يمكن الاستعانة بها فحتماً سنعرف إذا وجدنا الجثث من منهم قد حاول الدفاع عن نفسه. ليس بدم المتهم أي آثار لأي مواد مخدرة لذلك تمت الجريمة وهو بكامل وعيه وبكامل قواه العقلية ولا يوجد ما يُفسر فقدان الذاكرة المزعوم.

ما إن أنهى الظابط الجملة الأخيرة ورفع نظره إلى المتهم أمامه حتى وجده يبتسم ابتسامة شيطانية وهو يقول: آه صحيح .. الآن تذكرت !


ساره عاشور

هناك 5 تعليقات:

  1. ما حبتش النهاية المفتوحة

    ردحذف
    الردود
    1. اسماعيل :)

      كانت محاولة أولية، زي مسودة كده لفكرة في دماغي يارب تكمل بس

      حذف
  2. هو انتي اشتغلتي وكيل نيابة او دكتورة شرعية قبل كدة؟ D:

    ردحذف
    الردود
    1. ضياء ..

      اشتغلت الاتنين :D
      بحب الروايات والأفلام والمسلسلات البوليسية وبالذات مسلسل CSI

      حذف
  3. انا فى البداية كان دمى قرب ينشف :DD
    وحسيتها مسلسل اجنبى بس لما دخل العسكري
    عرفت ان ديه قصة مصرية اصيلة:]]
    حلوة اوى مع انى مفهمتش الكلام اللى كان مكتوب فى تقرير الطب الشرعى ده!!:DD

    ردحذف