السبت، 14 يوليو 2012

ظلام


دائماً ما كانت ترى أشياء غريبة في المناطق المظلمة، كأن ترى أشكال حيوانات مخيفة أو أشباح. هي اعتبرت أن ذلك بسبب حُبها الشديد لأفلام الرُعب فهناك حتماً ملايين الأشياء التي خُزنت في عقلها الباطن وهاهي تطاردها الآن كلما التفتت.

عندما صرحت في يوم لوالدتها بذلك نظرت لها نظرة رُعب وقالت لها: أنتِ حتماً مسكونة !

ضحكت كثيراً على تفسير والدتها ولكنها نهرتها: أن ذلك لا يوجد به عبث. يجب أن نجد شيخ ليُخرج منكِ هذا الجني.

ضحكت مجدداً ولكن عندما نظرت لوالدتها وجدتها فعلاً مقتنعة تماماً بما تقول وتنظر لها نظرة مختلطة بالرعب والخوف والحنان ..

بعد عدة أيام كانت قد نست تماماً هذا الموضوع ولكنها وجدت والدتها حضرت لتؤكد عليها ميعادهم مع الشيخ غداً. نظرت لها باندهاش: هذا أمر ليس خطير، ثم أني لا أعتقد في هذه الأشياء مثلك.

جلست والدتها بجانبها ثم قالت لها: حبيبتي، لا يُزيد أو يُنقص اعتقادك في الأمر شيء، إذا كان هناك جني فهو لن يتأكد أولاً إذا كنتِ تعتقدين فيه أم لا. ثم إني قد حددت الموعد وانتهى الأمر، غداً في العاشرة صباحاً سنذهب للشيخ سوياً. هو لا يفعل أي شيء خطأ فقط علاج بالقرآن .. لأجل أن يحفظنا الرحمن. وتركتها وذهبت.

جلست تُفكر طويلاً في الموضوع، لا يوجد بي أي شيء خاطئ سوى خيالي الواسع.

هل هذا يستدعي علاج وشيخ وكل هذا الرعب الذي والدتي فيه؟!

وبدأت تُفكر في صحة وخطأ هذا الاعتقاد من الأساس وإذا كان بها أشياء أخرى كان ينبغي لها أن تأخذ حذرها منها ولكن لا شيء أخر سوى رؤيتها لبعض الخيالات في الظلام فهي لا تسمع أي أصوات غريبة ولا شيء غير معتاد سوى ذلك.


صباحاً أيقظتها والدتها ليلحقوا بميعادهما، لبست ونزلت معها وهي تتململ طول الطريق: لا أريد أن أذهب، لا أحب هذه الأشياء ! لا أصدق أن هذا يحدث .. أنا متعلمة وأنتِ أيضاً كيف يمكن أن تُصدقي ذلك؟!

نظرت لها والدتها نظرة معناها "اسكتي الآن، نحن بمكان عام وحولنا ناس." فسكتت.

عندما وصلوا عند منزل الشيخ نظرت للمكان باحتقار هو حي شعبي جداً ومنزل متواضع جداً ثم تذكرت أنه سيُعالجها بالقرآن فهو حتماً إذن لا يتقاضى أجر. ثم وهما مازالا واقفتين تنتظران أن يُفتح باب المنزل، أتت سيارة فارهة وتوقفت ونزل منها شاب في العشرينات من عمره وفتح الباب الخلفي الذي نزل منه شخص في الأربعين تقريباً يلبس جلباب أبيض قصير وبنطلون أبيض وذقنه طويل يصل لصدره ويلف على رأسه ما يُشبه ما يلبسه البدو وشبشب. وهي تتأمل شكله العام فوجئت أن هذا هو الشيخ الذي سيعالجها وهو ليس كما حبت أن تتصوره .. ليس متواضع على الإطلاق.

هو يملك سيارات ومنازل عدة، له برنامج تلفزيوني في قناة دينية حديثة، هذا المنزل المتواضع به محل عطارة يتبعه تباع به زيوت وبخور ومواد عُشبية وطبية يصفها هو لزبائنه واكتشفت أنه يتقاضى أجر في كل جلسة يقوم بها ولكنه يعتبرها هِبة. وهذا المنزل المتواضع ما هو إلا واجهة يتخفى فيها من ملاحقة الأمن.

نظرت لوالدتها بغضب شديد وحاولت ان تُثنيها عن هذا العبث ولكنها نظرت لها بتوسل "اصبري !"

صعدت معها وانتظرت دورها في شقة في هذا المنزل وكانت تمتلئ عن أخرها بالذين ينتظرون دورهم ليعالجهم هذا الشيخ -الغني بالقرآن- .. كانت تتأملهم جميعاً وجوههم وثيابهم توحي بأنهم من طبقات مختلفة وحتماً تعليمهم مختلف ولكن ما بال كل هذا التنوع ويُقبلون جميعاً على هذا الفعل !

بعد فترة قصيرة سمعت اسمها يُنادي به شاب أخر صغير السن، دخلت مع والدتها غرفة الشيخ فرفض أن يكونوا جالسين منفردين سوياً بلا مِحرِم .. فتوسلت له والدتها أنهم بلا عائلة، هما يعيشان معاً وفقط. فتململ ثم نظر للفتاة نظرة لم تُريحها. بل هي لا ترتاح لأي شيء هنا.

أمسكت بيد والدتها وقالت لها: فلنذهب إذن .. فلنذهب الآن ونعود في وقت لاحق.. لا يُريحني هذا المكان، لا يُبشر بأي خير. فضربتها والدتها بكوعها لتسكت واعتذرت للشيخ الذي يبدو أنه كان يُنصت جيداً لما تقول. ثم طلب من شخصين من الخارج أن يحضروا معهم هذه الجلسة "هم نساء وحدهم ولا أستطيع أن أختلي بهم." فانبهر الرجال ودعوا له أن يحفظه الله .. ابتسم وحياهم وشكرهم.

ثم تحول لها وسألها: ما بكِ؟

فقالت: لا شيء !

فابتسم وقال لها: ولماذا أنتِ هنا إذن !

فهزت كتفيها وأشارت لوالدتها وقالت له: اسألها.

كان يتفرس في وجهها بطريقة أزعجتها. ثم استدار تجاه والدتها وسألها: ماذا بها؟

قالت له: إنها تقول إنها ترى أشباح في الظلام وعلى شكل حيوانات.

فالتفتت لها وقالت: هذا غير صحيح .. ليس كذلك.

ابتسم لأنها تحدثت وسألها: ماذا إذن؟

نظرت له بريبة وقالت: فقط خيالي واسع وأحب أفلام الرعب فطُبع ذلك بمخيلتي وأحياناً أرى ما يُشبه الأشباح أو الحيوانات في المناطق المظلمة.

فسألها: فقط في المناطق المظلمة؟

فضحكت وقالت: وهل تستطيع أن تتخيل شكل أمامك في الضوء؟

فارتبك وقال: أها طبعاً يمكن.

ثم تحرك من مكانه وذهب إليها. استأذنها ووضع يده على جبهتها وبدأ يقرأ بعض الآيات وهو ينظر جيداً لوجهها وعينيها وهي بدأت تهتم قليلاً .. مجرد فضول لترى ماذا سيفعل .. ماذا سيحدث.

ثم طلب من مساعده أن يُحضر "الإيشارب" فتعجبت من ذلك: أي إيشارب !! ماذا ستفعل؟

فقال لها: صبراً عزيزتي. يجب أن نخنق هذا الجني ليخرج منكِ.

فزعت عنذ سماع ذلك: تخنق ماذا؟ يخرج مِنْ مَنْ؟ أي جني؟! أنت مجنون !

ثم وقفت ووالدتها بدأت في البكاء. فاستدارت لها وهي تصيح غاضبة: على ماذا تبكين؟ لا تجدي أي مشكلة في أنه سيخنقني؟؟!

فزادت والدتها في البكاء وثارت هي.

أمر الشيخ المساعدين والرجال أن يقوموا بمسكها فهي في حالة خطيرة الآن "إنه هذا اللعين يقاومني. إنه يُسيطر عليها كُلياً."

أمسكوا بها من ذراعيها وأجلسوها في الكرسي وثبتوها.

أمسك الشيخ الإيشارب ولفه حول رقبتها وهو يُتمتم بأشياء لم تدري هي هل هي قرآن أم سحر أم ماذا.

زاد في شد الإيشارب حول رقبتها وهي تنظر له في عينه بتحدي. أحست بعينيها ستخرج من مكانها، إزداد الضغط على رقبتها. شعرت بأن الهواء ينقص والغرفة تدور بها. كل شيء يتحرك و "ماما .. ماما .. لا تتركيني أذهب"

وزاد الظلام أمامها وكان أخر ما سمعته صراخ والدتها.

لم يعود النور لها مرة أخرى .. لم تستيقظ أبداً ..

ذهبت لتبقى في الظلام مع من يتحينون أي فرصة ليأخذوا بثأرهم مِنْ مَنْ قتلهم ظلماً ...


ساره عاشور

هناك 7 تعليقات:

  1. مسـاء المككان وما حوى
    الأخت الفاضلة
    " ســارهـ "
    :
    تُحيِكي الحروف لتخرج لنا ..
    بمهارة رائعة في السرد القصصي ،
    وبعيداً عن كوني أوافق على فكرة القصة ام لا
    فسردكِ للأحداث رائــع ، تمثَلَ في قضية هامة
    اختلط فيها الحابل بالنابل !
    أؤمن وجداً بوجود هذا العالم الآخر
    كما أؤمن من وجودهم في آدميين
    والأهم انني أؤمن بدور قراءنا الساطع نوراً ، في خروج مثل هؤلاء من أجسـادنـا !
    شكراً لما قرأت لكِ
    تحية تليق .

    ..
    ..
    ..

    أحمــ سعيـد ــد

    ردحذف
  2. أهلاً بيك أستاذ أحمد

    أنا طبعاً أؤمن بوجود هذا العالم، يكفيني ذكره في القراءن الكريم. لكني أؤمن أيضاً أن هناك من يستغل ذلك ليؤدي لفقدان حياة شخص فقط لأنه لجأ لمن لا يملك ضمير ..

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أختي الفاضلة وقد قلت
      ان الحابل اختلط بالنابل ، وتغيرت كل العادات و القيم
      وكلنا يدين من يزهقون الأرواح دون سبب ..
      إلا بضعة دنـانير .. فتعس عبد الدرهم و الدينـار
      شكراً لكـِ .

      حذف
  3. جميلة جدا
    وفكرتها روعة
    دمتى مبدعة

    ردحذف
  4. جميلة يا سارة اوى بس توجع القلب اسلوبك جميل جدا

    ردحذف
  5. فعلا جميلة أوي
    وأسلوب سرد مشوق جدًا
    بس توجع القلب :(

    ردحذف
  6. حلوة جدا والسرد رائع...للأسف واقعية وبتحصل كتير

    ردحذف